فى الفترة الأولى لولايته، رفض الرئيس عبدالفتاح السيسى أن يستجيب لكل محاولات إقناعه بإنشاء كيان يكون بمثابة ظهير شعبى له، يدعم سياساته، ويسعى إلى تطبيقها، ويهيئ الرأى العام لتقبلها، بل والدفاع عنها، وهذا ببساطة هو صميم عمل الأحزاب، لكن الرئيس السيسى فضل على ذلك أن يكون كل المصريين ظهيرًا سياسيًا له، وطرح نفسه رئيسًا لكل المصريين، قولا وعملا، ورحب بكل الاتجاهات مادامت تحت مظلة الشرعية، ولا ترفع شعار العنف أو الإرهاب، ولا تتعاطف مع كيانات فى الداخل أو الخارج تسعى إلى تقويض الدولة المصرية.
بقى نفس الخط واضحًا وأساسيًا فى خطاب فوزه فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة، حيث أكد أنه يمد يده للجميع، لمن أعطاه منهم صوته، ومن أبى، وقال إن الوطن يتسع للجميع..
كما رفض السيسى كل محاولات العبث بالدستور للتمديد له لتكون الولاية 6 سنوات بدلا من 4 سنوات لكى يكون لديه، أو لدى أى رئيس حيز زمنى يستطيع خلاله تطبيق مشروعه، ولكنه آثر الحفاظ على الدستور من العبث، على اعتبار أن ذلك فى مجمله قد يضر بسمعة الدولة المصرية فى فترة ما بعد 30 يونيو.
الآن أوشك الرئيس أن يدشن فعليا ولايته الثانية، والأخيرة حسب الدستور، وإذا كان أهم مايحسب للسيسى هو نجاحه المبهر فى تثبيت أركان الدولة المصرية بكل ما يعنى ذلك سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا، والحفاظ على سيادتها، فإن أهم ما ننتظره من الرئيس فى فترته الثانية أن ينطلق بالدولة المصرية إلى آفاق أرحب أكثر ثقة، أكثر ثباتًا ولن يتأتى ذلك فى تقديرى إلا بالسعى إلى عودة قوية وعفية للحياة السياسية نستكمل بها تثبيت دعائم الدولة حتى تكتسب المزيد من المناعة للأفكار الهدامة..
قد يقول قائل: وماذا يفعل الرئيس، إذا كان قد نأى بنفسه عن الصراع السياسى، وأراد أن يكون رئيسا لكل المصريين، وترك الأحزاب تمارس نشاطها بدون قيود؟
لدينا فعليا أكثر من مائة حزب لا يتجاوز نشاط أغلبها مقراتها، وإذا نظمنا مسابقة لرؤساء هذه الأحزاب نفسها، أو للعاملين فى الحياة السياسية والبرلمانية لكى يذكروا أسماء عشرة من هذه الأحزاب أو رؤساء هذه الأحزاب، فربما لن ينجح أحد.
أعود إلى نهج الرئيس الذى يغلب عليه النبل والترفع، حيث إن سياسته وفلسفته التى يسعى فيها أن يكون دائما رئيسا لكل المصريين، حتى لمن لم يصوتوا له، تحتاج إلى إطار، وآلية، ومنهاج عمل، وإذا كنا ارتضينا بالسيسى بهذه الآلية حبا وثقة فيه بلا حدود، فماذا عن المستقبل؟
ودعونى أكون أكثر صراحة فى طرح السؤال، ماذا عن الظهير الذى سيخرج منه الرئيس القادم بعد 2022؟ أليس من حقنا أن نطمئن على المستقبل القريب ونسأل؟
أعتقد أننا فى حاجة إلى كيان سياسى صريح يتبنى فكر ومنهاج عمل السيسى، وأن يتم السعى إلى إصدار قانون المحليات لإجراء الانتخابات، لأن الكل أجمع على أن الإصلاح الحقيقى يبدأ من تهيئة بيئة نظيفة طاردة للفساد فى المحليات، ولأنه مع اختلاف الأنظمة اتفق الجميع على شعار أن «الفساد فى المحليات للركب».
نأتى إلى الأحزاب ودورها المفقود، وأقول إن هناك حالة من التفاؤل والاستبشار فى الحياة السياسية المصرية بانتخاب المستشار بهاء الدين أبو شقة رئيسًا لحزب الوفد العريق، وأسعدنى بخطابه الساعى للم شمل الوفديين، ووقف حالة التشرذم والضياع التى أصابت الحزب فى السنوات الأخيرة، وأرى أن تعافى الوفد هو من عوامل تعافى الحياة السياسية المصرية، وعودة تدريجية منشودة لدورها.
وأكون أكثر صراحة وأقول إننى سعدت بتصريح أبو شقة الذى قال فيه إن الوفد يسعى إلى تضمين أسماء منه فى الحكومة القادمة، وأن لديه قائمة يمكن أن يدفع بها، وأن هناك قائمة ستعود إلى الحزب لتمارس دورها السياسى من جديد، ما حدث فى الوفد ننتظر حدوثه فى بقية الأحزاب.
كان الرئيس السيسى يسعى دائمًا إلى توجيه رسائل إلى الأحزاب خلال خطبه، فى أمرين، هما الدفع بالشباب، وإتاحة الفرص أمامهم ليتقدموا الصفوف، وكذلك تمكين المرأة، وفى هاتين القضيتين تحديدا نافس الرئيس نفسه، وضرب الأمثلة وطبقها، وأصبح لدينا لأول مرة هذا العدد من الوزيرات، كما أصبح السيسى النصير الأول للشباب، يستمع لهم باستفاضة فى مؤتمرات الشباب، التى دعا إليها ورعاها بنفسه، ووضعها تحت إشراف مؤسسة الرئاسة إيمانًا بالشباب وبدورهم، كذلك حرصه الشديد على اصطحاب الشباب من الجنسين ومن ذوى القدرات الخاصة خلال افتتاحه لأى مشروع لتوصيل رسالة سياسية لكل الجهاز التنفيذى أنه يقف وراء الشباب إيمانا بهم وبقدراتهم وبأن كل ما يتم إنما يستهدفهم بصفة رئيسية، بل وأصدر قرارا جمهوريا بإنشاء أكاديمية وطنية لتأهيل وتدريب الشباب، استنادًا إلى التجربة الفرنسية، وعلى أن تصبح الأكاديمية المصرية هى المصدر الرئيسى لاختيار القيادات وكبار المسؤولين فى الدولة بشكل متجرد، وفق معايير الكفاءة وتكافؤ الفرص.
ثقتى فى الرئيس، مثل أغلبية المصريين، بلا حدود وأعول عليه شخصيا فى أن يضىء الطريق، ويهيئ المناخ نحو عودة قوية وفاعلة للحياة السياسية المصرية على اختلاف أطيافها من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ما دام كل ذلك تحت بصر وسمع الدولة المصرية، ويبتغى استقرارها ويعمل لأجندتها الوطنية فقط.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة