كان للقرار الأمريكى بالانسحاب من الاتفاق النووى الإيرانى تأثير كبير على الداخل الإيرانى إذ برزت أولى تداعياتها على المشهد الإيرانى خلال الساعات الأولى التى تلت خطاب الرئيس دونالد ترامب مساء الثلاثاء الماضى، فضلا عن أن القرار تسبب فى حال غضب فى الداخل الإيرانى، أشعل أيضا الصراع مجددا بين أجنحة السلطة.
كيف نمت سلطة التيار المتشدد ؟
فى البرلمان الإيرانى صباح اليوم التالى للقرار الأمريكى، وفى مشهد لم يحدث من قبل، ويشير إلى سلطة التيار المتشدد ونهاية الرئيس حسن روحانى، صعد منصة البرلمان النائب الأصولى حجت الاسلام مجتبى ذو النور المنتمى لـ"جبهه پايدارى" أى جبهة الصمود المتشددة ويرأس اللجنة النووية فى البرلمان ، وبحركة رمزية وأشعل النار بالعلم الأمريكى وبورقة أخرى مكتوب عليها بالفارسية "برجام" وهى اختصارا لـ"خطة العمل المشتركة"(الاتفاق النووى)، وأخذ يصرخ"أشعلت النار فى الاتفاق احرقت الاتفاق" مرددين هتافات "الموت لأمريكا".
وأثار هذا المشهد انتقادان حادة من قبل النائب المعتدل ونائب رئيس البرلمان على مطهرى، الذى وصفها بالسلوك السئ والعمل غير العاقل وغير السليم، معتبرا أن واعتبر مطهرى أن احراق علم الولايات المتحدة يضع شعب هذا البلد فى مواجهة أمام إيران، كما انتقد المنظر الاصلاحى الكبير والمحلل السياسى صادق زيباكلام معتبرا ان هذا العمل يعرض جانبا من الثقافة والحضارة الغنية لبعض الايرانين، والنائب عليرضا رحيمى علق على حسابه على تويتر قائلا أن حرق اعلام الدول لا يوجد لها محل فى الثقافة الإسلامية وهو أمر مرفوض فى المنطقة السياسى والنظرة العقلانية.
حرق علم أمريكا فى البرلمان
عودة السجال مجددا
انقسام النواب حيال الواقعة أظهر عودة السجال مجددا بين التيارات السياسية، فمنذ الساعات الأولى لقرار الولايات المتحدة، استغله التيار المنافس لروحانى أو من بات يطلق عليهم داخل إيران مصطلح (دلواپسان) بالفارسية أى القلقين من سياسات الانفتاح التى يتبناها التيار الإصلاحى، ووظفوه لخدمة سياساتهم و"تصفية حساباتهم السياسية" مع التيار الإصلاحى، فى ظل معركة تكسير العظام التى تدور وراء الكواليس بين أجنحة السلطة، لذا برز المستفيد الأكبر من القرار هم خصوم روحانى من التيار المحافظ الذين يتبعون أهداف عديدة منها.
حسن روحانى
فشل الاتفاق ورقة المتشددين الرابحة لانتخابات 2021 الرئاسية
يسعى التيار المتشدد من خلال استغلل ورقة النووى للتخطيط المبكر لانتخابات 2021 الرئاسية، وإظهار الرئيس المعتدل الذى يسانده قادة وزعماء التيار الاصلاحى بأنه أخطأ عندما وضع ثقته فى الولايات المتحدة، وذهب نحو طاولة المفاوضات ضاربا بنصائح المرشد عرض الحائط، فمن المتوقع أن يستغل هذا التيار بورقة النووى الاستغلال الأمثل لهزيمة الإصلاحيين فى هذه الانتخابات، وهو ما سيترتب عليه تهميش للتيار الاصلاحى من الحياة السياسية.
استرجاع شعبية المتشددين فى الشارع الإيرانى
يلعب التيار المتشدد فى إيران بكارت النووى من أجل تحقيق مكاسب سياسية فى الشارع الإيرانى، واسترجاع شعبيته التى فقدها فى معاركه الانتخابية أمام الاصلاحيين، فى انتخابات 2013 الرئاسية والتى هزم فيها روحانى المرشحين المتشددين، مرورا بانتخابات تشريعية ومجلس خبراء القيادة فى يناير 2016 والتى اكتسحت فيها كوادر التيار الإصلاحى والمعتدل مقاعد العاصمة طهران، وأقصت الوجوه المحافظة ورجلى الدين المتشددين محمد تقى مصباح يزدى، وآية الله محمد يزدى، وصولاً إلى انتخابات الرئاسية مايو 2017 حيث ساهم تشتت هذا التيار فى حسم المعركة لصالح روحانى بعد أن فشلت الجبهة المحافظة "جمنا" (الجبهة الشعبية لقوى الثورة) والتى ضمت تحت لواءها أحزاب وشخصيات محافظة مختلفة فى احداث تجانس وتوحيد هذا المعسكر على مرشح اصولى واحد.
توظيف فشل روحانى لخدمة توجهات خامنئى
يحاول المتشددين داخل إيران إلى توظيف نقض الولايات المتحدة الأمريكية عهودها أمام إيران، لخدمة مؤسسة الولى الفقيه (المرشد)، فى رؤيته السياسية حول إدارة ملف العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية والدخول فى مفاوضات مع الإدارة الأمريكية، ورأيه القائل بأن الولايات المتحدة لن تكون شريك محل ثقة، والذى كرره فى أكثر من مناسبة كان آخرها خطابه الذى ألقاه عقب القرار الأمريكى مباشرة، يوم التاسع من يوليو 2017، والذى قال فيه "إن الرئيس الأمريكي أخطأ في قرار الانسحاب من الاتفاق النووى مع إيران.. قلت من اليوم الأول: لا تثقوا في أمريكا".وعليه فسوف يستخدم هذا التيار مقولات المرشد فى إثبات صحة نبوءة المرشد وخطأ الرئيس المعتدل والتيار الاصلاحى الذى يتمسك بنهج الانفتاح على العالم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة