بات سؤال، كيف يمكن أن تؤثر العقوبات الأمريكية على قطاع النفط الإيرانى؟ أحد أكثر الأسئلة التى تشغل دوائر صنع السياسة الاقتصادية حول العالم، لأن هذا القطاع هو صاحب المدخول الأعلى لإيران التى اعتمدت فى موازنتها للعام المالى الفارسى الجديد على تقديرات كبيرة بشأن الحصول على عوائد مرتفعة من بيع النفط فى الأسواق العالمية، لكن قرار ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووى وتوقيع عقوبات على إيران وعلى كل الدول المتعاملة معها يستلزم إعادة التفكير فى الإجابة عن السؤال وترتيب الأفكار لمعرفة إلى أى مدى يمكن أن يؤثر هذا القرار على دخل طهران من النفط.
خفض 20 بالمئة
ترى تحليلات فى دوائر أمريكية أن عقوبات الولايات المتحدة الأمريكية الجديدة على إيران، على خلفية قرار الرئيس دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق النووى، لا يُحتمل أنها ستقيّد سوق النفط الإيرانية، لكنها ستحد من تصدير النفط بنسبة 20%، بحسب مجلة فورين بوليسى الأمريكية.
شركة توتال الفرنسية العاملة فى طهران
ومع ذلك وبالرغم من خروج ترامب من الصفقة النووية، وإعادته العقوبات التى كانت مفروضة على إيران، إلا أنه من المرجح أن يواصل كبار المشترين الآسيويين التهام النفط الإيرانى، بحكم الحاجة الماسة الصينية والهندية على تطبيق العقود النفطية مع إيران تلك اللازمة للصناعة المحلية.
وأعلن دونالد ترامب يوم الثلاثاء انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية النووية الإيرانية ووعد بفرض عقوبات أمريكية جديدة على الاقتصاد الإيرانى، وخاصة على صناعة النفط. لكن من غير المحتمل أن تؤدى الإجراءات الجديدة إلى إعادة تضييق الخناق على القطاع الذى أوقف أكثر من نصف صادرات النفط الإيرانية بعد عام 2012 وأجبر طهران على الجلوس إلى طاولة المفاوضات.
خفض 500 ألف برميل
عليه فإن القرار الترامبى بالانسحاب لم يأت إلا بعد أشهر من الجهود الفاشلة بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين لإيجاد طريقة لتشديد الاتفاق الحالى، وكان هذا الفشل بمثابة مقدمة للانسحاب الأمريكى من اتفاق وصفه ترامب منذ فترة طويلة بأنه "أسوأ صفقة على الإطلاق".
وقال ترامب من البيت الأبيض: "إن الصفقة الإيرانية معيبة فى جوهرها، وتعهدت بإعادة أعلى مستوى من العقوبات الاقتصادية على إيران". ولفت الرئيس إلى أن إيران تواصل السعى للحصول على أسلحة نووية، فى تناقض مباشر مع ما يورده المفتشون الدوليون ومجتمع المخابرات الأمريكى، الذى خلص إلى أن طهران تمتثل للقيود الواردة فى اتفاق 2015.
ويمكن القول إن النوع الأول من العقوبات التى يمكن إعادة وضعها هى قيود على صادرات النفط الإيرانية، التى تم تأسيسها لأول مرة فى عام 2012. إذا كانت الولايات المتحدة تسعى إلى النوع نفسه من القيود المفروضة على صادرات النفط الإيرانية كتلك التى كانت تخضع لإدارة أوباما - الأداة العقابية الرئيسية المستخدمة لضرب الاقتصاد والنظام الإيرانى وتضطره إلى الخضوع - وهذا يمكن أن يعنى انخفاضًا بنحو 20 بالمئة، أو ما بين 400000 و500000 برميل يوميًا. من شأن ذلك أن يساوى نحو مليار دولار فى الشهر بالأسعار الحالية. (قامت إيران مؤخراً بزيادة صادراتها النفطية إلى 2.7 مليون برميل يومياً، لكنها تستطيع تصدير نحو 2.2 مليون برميل).
انسحاب "توتال" المحتمل
تشير التوقعات إلى احتمال انسحاب شركة توتال الفرنسية التى تطور المرحلة الحادية عشرة من حقل بارس الغازى (أضخم حقل غاز فى العالم) ما لم تتلقى ضمانات وتأكيدات بإعفائها من العقوبات الأمريكية.
وقبل نحو 3 أسابيق قال باتريك بويان الرئيس التنفيذى للشركة إن أحد الخيارات المتاحة للشركة إذا انسحب ترامب من الاتفاق النووى وفرض عقوبات جديدة هو السعى للحصول على إعفاء يسمح لها بمواصلة العمل فى إيران، خاصة أنها تملك حصة تقدر بـ"50.1%" فى المرحلة الحادية عشرة من حقل بارس الجنوبى التى تقدر قيمتها بخمسة مليارات دولار، أما باقى الحصص فهمى موزعة بين شركة "سي. إن. بي. سى" الصينية بنسبة "30%" وشركة "بتروبارس" التابعة لشركة النفط الوطنية الإيرانية بنسبة "19.9%".
أما إيران فأعلنت على لسان المدير التنفيذى لشركة "بارس الوطنية"، للنفط والغاز الإيرانى، التابعة ضمنيا لمؤسسة الحرس الثورى، محمد مشكين فام، أنه فى حال انسحبت شركة "توتال" الفرنسية فإن طهران ستوكل تطوير الحقل إلى شركة "سى إن بى سى" الصينية، بما يعنى تهديد إيران رسمى صريح للشركة الفرنسية.
وعلى كل حال ما يزال من المبكر جدا التوصل إلى أرقام وتقديرات شبه نهائية حول ما سوف يتكبده قطاع النفط الإيرانى بعد العقوبات الأمريكية الجدية المحتمل أن تدخل حيز التنفيذ بداية الأسبوع المقبل، ومن المنتظر أن يترتب على كل ذلك موقفا إيرانيا يدفع فى اتجاه التصعيد مع أمريكا أو التهدئة والتوصل إلى اتفاق جديد.