خلال السنوات الأخيرة كانت التكنولوجيا وثورة الاتصال تغير من أشكال الصحافة، وشكل وعدد وطريقة المتلقى للأخبار والقصص الإخبارية. وبقدر ما غيرت الصحافة الإلكترونية من شكل وسرعة نشر الأخبار، فقد كان التصور أن التأثير سيطول فقط الصحافة الورقية التقليدية لصالح الصحافة الإلكترونية لكن وسائل التواصل هى الأخرى شكلت منصات، ساعدت على المزيد من انتشار الأخبار، إلا أنها مثلت منافسا لهذه الوسائل، الأمر الذى جعل هناك ضرورات لتغيير الشكل والمحتوى ليتناسب أكثر مع ادوات التكنولوجيا.
كان ألفين توفلر، مفكر المستقبليات الأمريكى، قد طرح منذ عام 1990 نظريته عن تحول السلطة، وكيف سيغير عالم المعلومات سلطة السياسة وطريقة إنتاج الثروة، وأن المعلومات سوف تغير سلطة الإعلام التقليدى، كان خبراء الإعلام يتوقعون أن تتراجع الصحافة الورقية، فى مواجهة منصات النشر الفورى للأخبار والمعلومات، وبالفعل ظهر الإعلام الإلكترونى ليسيطر طوال عشر سنوات، حتى ظهرت مواقع التواصل، وتنوعت أدوات التكنولوجيا من الكمبيوتر المكتبى إلى الشخصى، وأخيرا التليفون «التاتش»، ليتحول إلى أداة نشر فورية وتفاعل يجمع فى شاشته كل الأخبار والقصص والأفلام والمسلسلات.
كان ألفين توفلر يتوقع أن تغير الشاشات الفضية والفضائيات شكل السلطة التقليدية، وكانت التصورات تذهب إلى تراجع الصحافة الورقية، وصعود النشر الإلكترونى وهو ما حدث، لكن الإعلام الإلكترونى هو الآخر يواجه منافسة من مواقع التواصل، ونجحت خلال عقد واحد أن تجمع 2 مليار مواطن عبر العالم فى «فيس بوك»، يمثلون أكثر من ربع سكان الكرة الأرضية.
وبقدر ما أفادت التكنولوجيا الصحافة ومنحتها إمكانات للسرعة والإمكانات الإضافية مثل الصورة والفيديو، فضلا عن تسهيل التجهيزات والبث والطباعة، بقدر ما مثلت تحديا من نوع آخر لكونها تنشر محتويات الصحافة مجانا وتحصل على عوائد أضعاف ما تحصل عليه الصحافة، أو لم تعد الصحافة فقط التى تواجه التحدى، بل التليفزيون التقليدى الذى تراجع لصالح شاشات التليفون المحمول.
وعلى مدى يومين تابعت وشاركت فى مؤتمر القاهرة للإعلام الذى دعا ونظمه البرنامج المصرى لتطوير الإعلام، ومنتدى المحررين المصريين، ورابطة المحررين النرويجيين، وناقش التغييرات الحادة التى طرأت على الإعلام والصحافة فى العصر الرقمى فى محاولة لمواكبة المستجدات وطرح سبل لجذب الجمهور الذى تحول إلى مواقع التواصل الاجتماعى.
شارك فى المؤتمر عدد كبير من الصحفيين وخبراء الإعلام المصريين والعرب والأجانب، واستعرض المشاركون التغييرات الحادة التى طرأت على الإعلام والصحافة فى العصر الرقمى، وكيف يمكن أن تواكب الصحافة الإلكترونية تحولات العصر التكنولوجية ومواقع التواصل الاجتماعى. والانتقال من عصر الأخبار إلى عصر ما بعد الأخبار.
والبرنامج المصرى لتطوير الإعلام قدم خلال الشهور الماضية أكثر من جلسة ومائدة مستديرة ومناقشة لأحوال الصحافة والنشر وكيفية الاستفادة من التكنولوجيا، والأسئلة التى تواجه صناعة الصحافة والنشر فى العصر الرقمى، وبجهد من الزميل طارق عطية الرئيس التنفيذى للبرنامج المصرى لتطوير الإعلام والمنتدى. وقد شاركت فى أكثر من جلسة ومائدة مستديرة مع زملاء وخبراء فى الإعلام والتكنولوجيا والشوشيال ميديا، كانت بالفعل جلسات مفيدة، تعاملت مع الأسئلة المطروحة حول مستقبل الإعلام، وهى نقطة أشار إليها الزميل طارق سعيد، منسق منتدى المحررين المصريين، وقال إن مؤتمر القاهرة للإعلام يأتى بعد عدة إسهامات قام بها منتدى المحررون المصريون طرح خلالها مشكلات وهموم الصحافة ومستقبلها.
مؤتمر القاهرة للإعلام جمع بين الصحفيين المحترفين والأكاديميين فى كليات الإعلام والاتصال فى محاولة للتقريب بين الأفكار الأكاديمية والنظرية من جهة، وبين الواقع العملى الذى تعيشه وتواجهه الصحافة.
وكالعادة فرضت قضية الصحافة وتحدياتها نفسها على الحضور والتحديات التى يواجهها الإعلام التقليدى فى العصر الرقمى، وتحدث إيسبن إيجل هانسن، رئيس التحرير التنفيذى لجريدة «أفتنبوستن» النرويجية، إحدى الصحف التى نجحت فى عبور فجوة الصدمة التكنولوجية فى طبعتها الورقية والإلكترونية وأخيرا نسخة «الموبايل»، تحدث إيسبن عن حقيقة أن الصحفيين لم يعودوا وحدهم منتجى القصص والأخبار، وأن التطور التكنولوجى ومواقع التواصل الاجتماعى كسروا احتكار الإعلام التقليدى، لكنه يرى أن الثورة التكنولوجية تعطى للصحافة والإعلام الكثير من الفرص، وتفرض فى الوقت ذاته تحديات، وأنه على الصحفيين الاستفادة من الفرص فى نشر الأخبار والقصص وتوصيلها للقراء، وشرح ايسبن تجربة صحيفته فى تقديم صحافة للموبايل بجانب الصحافة الإلكترونية والورقية.
فيما أشارت الإعلامية اللبنانية جيزيل خورى إلى التحديات الكبيرة التى تواجه وسائل الإعلام فى مقدمتها الاقتصاد وترى أهمية وجود قانون لتمويل الإعلام بما يضمن استقلاليته وهناك نماذج غربية يمكن الاحتذاء بها.
ويرى أرنى جنسن، أمين عام رابطة المحررين النرويجيين، أن «الصحافة التقليدية والمطبوعة مازالت مؤثرة، وإن فقدت جزءًا من شعبيتها، ومنذ 10 سنوات قلنا إنه لن يكون هناك صحافة مطبوعة لكن ثبت خطأنا»، ويتوقع أرنى أن تتحول الصحافة المطبوعة لرقمية.
وخلال جلسات المؤتمر تحدث زملاء وخبراء عن التحديات والفرص، التى تواجه الصحافة الإلكترونية والورقية، وإمكانية تخطى الواقع الصعب الذى تواجهه، وهو موضوع نتابع عرضه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة