إدارة الأزمات علم كبير، سواء بالتنبؤ بها وتوقعها والعمل على إزالة أسبابها ووضع الاحترازات التى تخفف آثارها، أو بالتعامل الأمثل معها بعد حدوثها، وضمان عدم تكرار خسائرها وأضرارها، وهذا العلم، نحن للأسف الشديد لا نضيف إليه شيئا ولا نتبع أصوله وقواعده، ودلالة ذلك أزمة السيول الأخيرة التى تحدث للمرة المائة بنفس الطريقة ونتعامل معها كأنها زلزال يفاجئنا لأول مرة.
وفى المقابل نحن نبرع فى مجال مناقض لإدارة الأزمات وهو فن صناعة الأزمات من العدم وتصديرها للناس باعتبارها مشكلة عويصة معقدة ولا حل لها إلا بالعناد والمقاوحة على الفاضى، وأوضح نموذج لفن صناعة الأزمات موقف الاتحاد المصرى لكرة القدم من استقدام حكام أجانب للمباراة النهائية لكأس مصر.
اتحاد الكرة يرى أن الحكام المصريين بخير، ولابد من منحهم الثقة بإدارة المباريات المهمة، إلا إذا كانت المباراة حساسة ويمكن أن يصدر عنها ما يعكر صفو المجتمع ويتجاوز كرة القدم مثل مباريات الأهلى والزمالك وبعض مباريات أحد قطبى الكرة وفرق مثل الإسماعيلى والمصرى، وهنا يرى اتحاد الكرة أن من الأسلم تعيين حكام أجانب أو عرب لإدارة هذه المباريات والخروج بها لبر الأمان، خاصة أن اللاعبين لا يساعدون الحكام المصريين على اكتساب الثقة فى المباريات الحساسة بالالتزام بقراراتهم.
وفى هذا السياق نبه اتحاد الكرة أكثر من مرة على رؤساء الأندية بأن الاتحاد مسؤول عن تعيين حكام مصريين لجميع المباريات، وعلى النادى الذى يستشعر القلق أو يرغب فى إسناد مبارياته لحكام أجانب، عليه أن يتحمل تكاليف استقدامهم وبدلاتهم وإقامتهم إلى آخر هذه النفقات المتعارف عليها، وهنا أيضا لا يبدو أن اتحاد الكرة متجاوز فى سياسته العامة أو فى تطبيق اللوائح، طيب لماذا حدثت أزمة مباراة نهائى الكأس بين الزمالك وسموحة وإعلان رئيس سموحة الانسحاب من الكأس؟ أليست اللوائح واضحة؟ أليس الزمالك وهو أحد قطبى الكرة المصرية طرف فى المباراة؟
الطبيعى والمتوقع أن يسند اتحاد الكرة المباراة إلى حكام أجانب أو على أقل تقدير إلى حكام عرب من الدول الشقيقة التى نرتبط معها ببروتوكولات تعاون رياضية، لكن اتحاد الكرة لم يفعل رغم شكوى سموحة المتكررة من أخطاء الحكام الكارثية فى مباريات البطولة، وهنا نسأل: لماذا لم يتخذ الاتحاد القرار السليم من البداية؟
اتحاد الكرة لم يتخذ القرار السليم من البداية، ثم عاد وطالب سموحة باستقدام حكام أجانب على نفقته، وبالفعل أرسل سموحة شيكا بالمبلغ الذى حدده الاتحاد وتسلم مسؤولو الاتحاد الشيك بالفعل مما يعنى الموافقة على طلب سموحة ما دام يتحمل التكاليف، وإلى هنا الأمور تسير فى مجراها الطبيعى دون أزمات ووفق اللوائح والقوانين، فكيف تفنن اتحاد الكرة فى تحويلها إلى أزمة مستحكمة؟
بعد أن تسلم اتحاد الكرة مستحقات الحكام الأجانب من نادى سموحة كان المتوقع أن ينفذ على الفور، لكن اللهو الخفى تصدر المشهد دون إبداء تفسيرات أو تبريرات معقولة، وأكد مسؤولو الاتحاد عدم استقدام حكام أجانب دفاعا عن الحكام المصريين، أهى أول مرة نستقدم حكاما أجانب؟ وهل ستكون المرة الأخيرة؟ بالطبع لا، وفى المرة المقبلة عندما نستقدم حكاما أجانب هل سيكون ذلك إقلالا من الحكام المصريين؟ وما معنى أن يتصل إبراهيم نور الدين برئيس نادى سموحة ويخبره أنه سيحكم المباراة ويطمئنه، ثم يخرج رئيس النادى ليعلن تفاصيل المكالمة وبعدها يعتذر إبراهيم نور الدين عن عدم إدارة المباراة، ما كل هذا العك؟ لا أستطيع أن أجد تفسيرا لما يحدث فى اتحاد الكرة إلا أن أصفه بفن صناعة الأزمات من العدم وهنا من حقكم أن تتساءلوا : لمصلحة من؟ وما الهدف من صناعة الأزمة؟