القوة التى ظهرت بها الرقابة الإدارية فى الشهور الأخيرة تعكس كم الجهد المبذول من قبل أعضائها لمكافحة الفساد وضبط أى مخالفات تتعلق بإهدار المال العام أو الاستيلاء عليه فى محافظات الجمهورية، ولكن هذه القوة تختلف عما سبق بميزات جديدة، أهمها على الإطلاق أنها لا تفرق فى المعاملة بين مسؤول كبير وآخر صغير فى الدولة، لأن الرقابة تراقب وتتابع كل الوقائع المشبوهة وتتخذ الإجراءات القانونية ضد أى مخالف بعيدا عن منصبه، وهو ما تأكد فى عدد من القضايا أبرزها مستشار وزير المالية، ومحافظ المنوفية، ونائب محافظ الإسكندرية، ومن قبلهم وزير الزراعة، بخلاف طبعا عشرات القضايا المتورط فيها وكلاء وزارة وقيادات بالضرائب والجمارك، بل وأساتذة جامعة أيضا تلقوا «رشاوى» لتمرير رسائل دكتوراه وماجستير.
الحقيقة أن العدد الكبير من القضايا التى ضبطتها الرقابة وضعتها فى مكانة مختلفة عن باقى مؤسسات الدولة، فأصبحت هى الملاذ الأخير للتحرى عن أى واقعة تحمل أى شبهات، وأصبحت هى المكان الأكثر أمانا لمراقبة أى عمليات غير شرعية وضبطها وتقديمها للعدالة، ويكفى أن الرقابة الإدارية فى أزمة أمطار التجمع الخامس الأخيرة لعبت دورا فى المعاينة وإعداد تقرير واف بتكليف رسمى من رئيس الجمهورية، وبالتأكيد لم يخرج هذا التكليف إلا بعد قناعة كاملة من القيادة السياسية بدور الرقابة الإدارية فى ضبط أى واقعة أو مخالفة أو تصرف يمثل جريمة فى حق الدولة.
اللافت أن دورا جديدا تلعبه الرقابة الإدارية منذ شهور، لم يسلط عليه الضوء بعد، وهو إعداد بنك للقيادات بالدولة أو ما يمكن أن نسميه «تفريخ القيادات» أو «إعداد القيادة البديلة»، وتمثل ذلك فى قيام الرقابة بتنظيم دورات لتأهيل القيادات يشارك فيها قيادات من القطاع الحكومى والخاص وأساتذة جامعة ورجال أعمال، والهدف الأساسى منها توعية القيادات بمفهوم الإدارة، ومنحهم ملخصا وافيا لطريقة التعامل الحكومى، وعدم الوقوع فى الأخطاء الإدارية التى تمثل أى جرائم إدارية، أو السقوط فى فخ الإجراءات الروتينية المعقدة، فضلا عن اكتشاف قيادات جديدة تصلح لترشيحات مهمة بالدولة أو مناصب وزارية.
والمفاجئ أن 3 من القيادات التى حضرت الدورة باعتبارهم أساتذة جامعة ومتخصصين فى مجالات مختلفة، جرى ترشيحهم فيما بعد لتولى وزارات وبالفعل يجلسون على كرسى الوزارة الآن، وعلى رأسهم هشام عرفات وزير النقل، وكان يحضر الدورة بصفته رئيس قسم الهندسة الإنشائية بكلية الهندسة والتكنولوجيا بجامعة المستقبل، وخالد بدوى وزير قطاع الأعمال العام والذى كان يحضر الدورة بصفة الرئيس التنفيذى والعضو المنتدب لشركة الأهلى كابيتال القابضة، وكذلك الوزير ياسر القاضى وزير الاتصالات الذى شارك فى أحد الدورات قبل أن يكون وزيرا، وإضافة للوزراء الثلاثة، فرئيس البورصة المصرية محمد فريد شارك فى الدورة قبل أن يكون رئيسا للبورصة بصفة رئيس مجلس إدارة شركة دى كود للاستشارات المالية الاقتصادية.
أعتقد أن هذه الدورات بما تنتهى إليه من ترشيح قيادات لتولى مناصب وزارية بالحكومة، تمثل نقلة نوعية لهيئة الرقابة الإدارية من كونها جهازا رقابيا يكافح الفساد إلى جهاز يشارك فى تفريخ قيادات صالحة للإدارة فى المستقبل، وتحمل فكرا مختلفا، وتساهم بشكل نوعى فى تقدم البلاد للأمام.
تحية لكل أعضاء الرقابة الإدارية، مجهود مشكور فى حماية المال العام، ومجهود مشكور فى البحث عن قيادات بديلة للمناصب الوزارية فى المستقبل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة