صدر فى القاهرة عن دار الحكمة كتاب يعالج قضية تطرح نفسها على الساحة الدولية الآن، وهو "ثقافة المجتمع الكردى.. بين الهوية والأرض"، وهو من تأليف دكتورة حسناء الدمرداش، الأستاذ فى جامعة مصر الدولية، ترى الدكتورة حسناء أن المؤرخين اختلفوا حول أصل الأكراد وماهيتهم ولك يقطعوا برأى حاسم حول ذلك. فهناك الكثير من نقاط الجدل والخلاف حولهم فى كثير من النواحى، ابتداءً من منشأهم، وامتدادً إلى تاريخهم، وحتى مستقبلهم السياسى.
وقد ازداد هذا الجدل وذاك الجدال التاريخى حدة فى السنوات الأخيرة خاصة بعد التغيرات التى طرأت على المنطقة بعد التدخل الأمريكى فى العراق وما تبع ذلك من آثار كانت أبرزها تغير واقع الأكراد وأوضاعهم فى العراق. وربما كانت نقطة البداية الحقيقية لذلك تشكيل الولايات المتحدة لمنطقة حظر الطيران والتى مهدت بدورها إلى نشأة كيان إقليم كردستان فى شمال العراق، ومن هنا بدأت الأخبار والتقارير ترد من المنطقة، لنجد نطاق الحديث حول الأكراد وماهيتهم يصل إلى جمهور عريض من العرب لم يكن بنفس القدر الذى كان من قبل.
وعلى ضوء هذا فإن ظهور الأكراد على الساحة الإقليمية والدولية فى عصرنا الراهن كقوة متميزة لم يكن منذ أمد بعيد، مع أنهم كشعب يعد من الشعوب العريقة التى تضرب بجذورها فى أعماق التاريخ. لقد نشأ الأكراد منذ آلاف السنين اختلف العلماء فى تقديره وتعيينه على وجه التحديد. ومع ذلك، فمن المرجح أنهم عرفوا منذ فترة بعيدة بتواجدهم على جوانب الروافد اليسرى لنهر دجلة حوالى القرن السادس ق.م.
ومصطلح "كرد" ذكر لأول مرة فى المصادر العربية فى القرن الأول من العصر الإسلامى.
وهو يشير لمجموعة متنوعة من الرعاة أو البدو أو مجموعة من وحدات سياسة دون أن يشير إلى مجموعة لغوية.
وقبل الإسلام اعتنق الأكراد الزرادشتية عندما كان لها ذيوع فى فارس وميديا قبل الميلاد بستة قرون. ورغم نشاط الدعوة للدين المسيحى فى أرمينيا منذ عام 33ميلادية إلا أنه لم يلق نجاحاً كبيراً بين الأكراد. ومع ظهور الإسلام واتصال الكرد بالمسلمين الأولين وجدوا أن مبادئ هذا الدين تتفق وسجاياهم فأقبلوا عليه عن طيب خاطر. واتصل الكرد بالجيوش الإسلامية بداية عام 16 ه وفتح مدينة تكريت (بقيادة سعد بن أبى وقاص) ومن بعدها نصبين والرها ومادرين وديار بكر، وأرمينيا وشهرزور.
وتم تأسيس أول حكومة كردية عام (340ه- 951م) فى شمال أذربيجان والجنوب الغربى للقوقاز. وتلا ذلك عدد آخر فى "أماكن مختلفة لم تكن تستمر جميعها طويلا، وكان من أشهرها الدولة الأيوبية الكردية عام 569ه- 1173م، والتى اتسع سلطانها فى مصر وسوريا والجزيرة وكردستان وأرمينيا وتألفت معظم جيوشها من العشائر الكردية حتى وافت السلطان صلاح الدين المنية عام 589ه- 1193م).
وبعد أن سجل الأكراد صفحات بيضاء فى التاريخ الإسلامى بانتصار الجيوش الإسلامية بقيادة البطل صلاح الدين على الغزو الصليبي، أفل نجمهم لمدة حتى بدأ ذكرهم فى العودة إلى الساحة من جديد أثناء حرب الخليج فى التسعينات من القرن الماضي.
ويزيد عدد الأكراد حاليا عن 30 مليون موزعين فى مناطق متفرقة من العالم من أهمها: تركيا، إيران، سوريا، العراق، أذربيجان وغيرها..
ويدين الأكراد فى غالبيتهم بالإسلام، ومعظمهم سنّة وأقليّة منهم شيعة. ويتحدث الأكراد بلغة خاصة بهم هى اللغة الكردية إلى جانب العربية، والتركية، والفارسية.
بعد التعرض لدراسة ثقافة الأكراد كأمة لها هوية ثقافية خاصة، تبين الدكتورة حسناء الدمرداش أن هناك معرفة مشوهة حول هذه الهوية مما جعلها تدخل فى محاور تبين منها وجود ما يسمى بـ (أزمة الهوية والمعرفة)؛ وتنحصر هذه المحاور فى:
أ- قصور النظام التعليمى الكردى لأسباب منها الداخلى والخارجى.
ب- فشل السياسة الثقافية لدى المثقفين الأكراد؛ وعدم التقاء ثقافة النخبة المثقفة مع الثقافة الجماهيرية الشعبية، مع سيطرة ثقافة التعصب القبلى والعشائرى والمصلحة الذاتية على مصلحة الوطن ككل.
ج- الصراع السياسى بين الأكراد والحكومات المركزية التى تحكم مناطق كردستان، وهذا لا يدع مجالاً لاستقرار أو أمن ينتج عنه وضوح التوجهات وثبات السياسات التعليمية والثقافية؛ هذا بالإضافة إلى أن ما يشغل صناع القرار والمثقفين الأكراد فى غالبيتهم لا يرقى إلى مشتوى الوحدة والقوة والحيوية والترابط الذى يجعل منهم أمة واحدة ذات هدف واحد ومحدد.
تتفق حسناء الدمرداش مع الذين يرجون لشعوب المناطق الكردية البقاء ضمن حكم الدولة المركزية وبصورة فيدرالية فى سبيل التطور والاستقرار، ويفضلون لهم الانتقال من ثقافة السلطة إلى سلطة الثقافة، بمعنى أن ترتفع نسبة الوعى الحضارى والقومى والثقافى للحفاظ على مقدرات الشعب فى إطار ثقافى عام يحكم التوجه السياسى أو على الأقل يساهم فى توجيهه نحو آمال الأمة الكردية بعيداً عن الصراع المسلح والحروب التى تصر عليها القيادات السياسية الكردية وتبوء دائماً بالفشل، ولا يجنى منها الشعب إلا الدمار والخراب والقتل.
ويؤكد الباحثون أن المغالاة فى التصرفات وتعدد الخرائط واختلاف الآراء الكردية حول الشكل النهائى لرسم حدود جغرافية محددة للوطن الكردي، قد صعب أمر التوصل إلى تسوية قضيتهم وبلورتها فى شكل موحد وثابت وعادل تتفق عليه دول الجوار قبل الدول الأوروبية؛ ذلك لأن الحل النهائى لن يكون إلا بالتفاهم مع الدول التى سيقتطع من أرضها لينال الكرد حقهم فى تشكيل دولة أو ينالوا حقهم فى حكم ذاتى تحت إدارة الحكومات المركزية لهذه الدول. ويمثل هذا البحث ورقة نقدمها للقراء فى العالم العربى حتى يدركوا جزءاً من آفاق التعاون المطلوبة لمعرفة الأكراد وقضيتهم وثقافتهم.
وهى ترى إن المسألة الكردية هى مسألة صراع من أجل حقوق، ومن وجهة نظرنا أن هذه الحقوق سواء أكانت اجتماعية أو اقتصادية أم ثقافية يمكن أن تحقق بنسب متفاوتة حسب إمكانيات كل إقليم وطبيعة كل حكومة مركزية، ولا يجب أن تأخذ طابعاً قومياً أو انفصالياً.
وتذكر المؤلفة إن الأكراد يبحثون عن حقهم القومى فى الانتماء إلى مناطق كردستان، ولكن الحكومات (التركية والإيرانية على الخصوص) تعتبر شأن الأكراد فيهما شأناً قومياً داخلياً، ويجب أن يعالج وفق معطيات الانتماء للأمة الواحدة داخل إطار الوطن الواحد، وحلول هذه المسألة لابد أن تأتى من داخل الأمة وليس من خارجها أو من الاعتبارات الدولية والإقليمية.
فى الوقت الذى يضع الأتراك والإيرانيون قاعدة قومية تمنع تجزئة الوطن، فلا يجوز ولا يحق لأى طرف أو نظام أو قومية أن تسعى إلى تجزئة الوطن لحساب فئة أيا كان عددها وأغلبيتها فى أجزاء من الوطن، لذا فالحكومة التركية على سبيل المثال تنظر إلى الأكراد على أنهم مواطنون أتراك يسكنون الجبال وينتمون إلى الأمة التركية حتى لو كانوا يتحدثون الكردية أو ينتمون إلى ما يطلقون عليه القومية الكردية.
وما يستوقف النظر فى الكتاب هو الأدب الكردى خاصة غناء الفرق الشعبية ومنها الأغنية التالية التى تشرح صفات الأكراد:-
نحن شعب الكرد شعب لا نبالي
نتحدى الظلم حتى فى الخيالِ
نحن شعب نتسامى للمعالي
فى كفاح وجهاد ونضالِ
ثائر يسعى إلى الحق القويمِ
وإلى أن تنجلى السود الليالي
ثورة نحن على مر الزمانِ
ونضاهى الشمس فى درب الكمالٍ
ثورة كالشمس تسرى فى علاها
وتحاكى الشمس من قمم الجبالِ
ثورتى ثورةُ شعبٍ لم ينم قط
ثورة العمال للفكر الزوالِ
ثورتى ثورة شعب قد تعذب
ثورة الإنسان ضد الاعتقالِ
ثورة الوطن المكبل بالسلاسلِ
والمدنس بالحوافر والنعالِ
وإن لكردستان فى العلا مسيرة
فانفروا للمجد يا كرد المعالِ
إننا شعب أبى نحن ندري
أن طعم الموت عذبٌ كالزلالِ
كفءٌ أنت يا ابن الكرد... إنا لن نبالي
إن زرعنا الأرض ترسا بالرجالِ
أو تسلقنا السماء بالجماجم
أو منحنا عمرنا دون السؤالِ
ها غداً وردا فى ثراها
وثراها من دم كل غالي
ها غداً يأتى الربيع بالورود
وغدا يبدو الخلاص للمنالِ
أمة الكرد لكى بشرى عظيمة
خلق الكرد فيا حسن المنالِ
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة