يدور الحديث فى الأوساط الأمريكية حول كل الطرق الممكنة لثنى إيران عن سلوكها، وينقسم القرار فى دوائر صنع السياسة إلى أن النهج الصحيح هو الضغط على شركاء إيران الروس والأوروبيين لإجبارها على وقف التمدد فى الشرق الأوسط، بينما يرى فريق آخر أنه ما من سبيل إلى الحد من سلوك إيران المزعزع للاستقرار سوى بإسقاط النظام بالكامل وإعادة تجربة الرئيس الراحل رونالد ريجان (1981 ـ 1989) الذى نجح فى التوصل إلى سياسات أدت فى المحصلة الأخيرة إلى إسقاط الاتحاد السوفييتى 1991 بعد عامين من مغادرته البيت الأبيض.
ففى مقالة له فى الواشنطن بوست قال ديفيد إجناتيوس المتخصص فى السياسية الخارجية الأمريكية، إن القادة العرب يحبون فكرة أن الرئيس ترامب مستعد لإعطاء إيران ضربة فى الأنف، لكن هل هذا البيت الأبيض جاد حقا بشأن تحدى القوة الإيرانية فى الشرق الأوسط؟ الأدلة مختلطة، فى أحسن الأحوال.
وقال الكاتب: "سمعت حماسًا شديدًا لقرار ترامب بالآنسحاب من الاتفاق النووى الإيرانى من عرب بارزين اجتمعوا فى أبو ظبى فى نهاية الأسبوع الماضى فى مؤتمر برعاية معهد بيروت. وهم يعلمون أن إفساد الاتفاق النووى قد يكون خطيراً وأن المنطقة هى بألفعل برميل بارود جاهز للانفجار".
وأضاف: "بعبارة صريحة هم يحبون فكرة أن ترامب مستعد للالتزام بها تجاه طهران. على الرغم من أنهم يتوقعون ضربة مضادة إيرانية، إلا أنهم ليسوا قلقين بشأنها كما تتوقعون. توقع العديد من العرب البارزين أن تنحنى طهران فى النهاية للضغوط، إذا كانت هناك جبهة موحدة".
ونقل أجناتيوس عن الأمير تركى الفيصل، رئيس المخابرات السعودية السابق، قوله إنه ربما يرد الإيرانيون مثل كيم جونغ أون من كوريا الشمالية، "الذى يبدو أنه قبل زر ترامب الأكبر". وقال أمام المؤتمر إنه فى مواجهة طلب ترامب تقديم تنازلات بشأن مدة الاتفاق النووى وبرامج الصواريخ الإيرانية والتدخل الإقليمى "قد تغير إيران رأيها".
ووفقا للكاتب فإن على الزعماء العرب أن يفكروا فى إمكانية تخلف ترامب عن التراجع: فالاستراتيجية الصحيحة هى عكس استيلاء إيران على القوة فى الشرق الأوسط مع الحفاظ على الصفقة النووية كعنصر من عناصر الاستقرار الإقليمى. فى المقابل ، يبدو أن غرائز ترامب هى عكس ذلك، كما قال كريم سجادبور من مؤسسة كارنيجى للسلام الدولى مؤخراً، أى إن ترامب يريد الخروج من كل الاتفاق النووى والمنطقة.
ورأى أن هذه تعد بمثابة استراتيجية جدية لدحر إيران وتبدأ مع سوريا، على أن تحتفظ الولايات المتحدة بالموقف العسكرى القوى الذى أقامته شرق نهر الفرات وتعزز ثكنتها فى جنوب سوريا. ومع ذلك، تشير تعليقات ترامب العلنية إلى أنه يريد إخراج هذه القوات، وكلما كان ذلك أسرع كلما كان ذلك أفضل. كل هذا سيضمن استمرار القوة الإيرانية فى سوريا.
وأوضح أن العراق هو نقطة ضغط رئيسية أخرى، إن انتصار الزعيم العراقى المتشدد مقتدى الصدر فى انتخابات السبت يجب أن يقلق طهران بقدر واشنطن، لقد طوَّر الصدر علاقات جيدة مع المملكة العربية السعودية بهدوء، وقد توفر حركته أفضل فرصة للحفاظ على عراق عربى، بدلاً من وجود عراق يهيمن عليه الفرس، لكن مرة أخرى، هذا يفترض أن واشنطن جادة فى دعم السعوديين فى التحقق من طموحات إيران الإقليمية.
وسيساعد الحصول على كل من إيران والسعودية خارج اليمن أيضًا، وهذا يتطلب مزيجا من الضغط الدقيق والدبلوماسية من إدارة ترامب التى أظهرت القليل من المهارة فى الشرق الأوسط، لكنه هدف جدير بالثقة بالنسبة إلى مايك بومبيو، وزير الخارجية الجديد، من وجهة نظر الكاتب.
إن التراجع عن المنافس العدوانى يبدو مستحيلا، حتى يجرؤ شخص على تجربته. فكروا مرة أخرى فى رئاسة رونالد ريجان، عندما اعتبر صانعو السياسة أن الاحتمال الذى لم يكن من الممكن لأحد أن يفكر فى إمكانية أن تزيل أمريكا وحلفاؤها، السوفييت من العالم الثالث، وبعد عقد من التحدى، ذهبت القوة السوفيتية.
لا شك أن المحأولات السابقة لاحتواء إيران التوسعية الثورية لم تحقق نجاحًا كبيرًا، أدى غزو صدام حسين لإيران عام 1980 إلى مستنقع استمر ثمانى سنوات، كما أن حرب الوكيل فى سوريا كانت كارثية.
يريد العرب من الولايات المتحدة القيام بالقتال هذه المرة، هذه فكرة سيئة لأمريكا، لأسباب عديدة، لكن الأكبر هو أنه لا يوجد دعم سياسى أمريكى لحرب ضد إيران.
إذن ما هو الطريق لاحتواء التدخل الإيرانى؟ ربما يمر عبر موسكو. المصالح الروسية فى المنطقة معقدة. قد تقاتل موسكو إلى جانب إيران فى سوريا، لكن لديها علاقات اقتصادية ودبلوماسية متنامية مع إسرائيل والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
ونقل أجانتيوس عن أندرى بيستريتسكى، وهو محلل متخصص فى السياسة الخارجية الروسية قوله: "إيران حليف تكتيكى وروسيا بحاجة إلى مجموعة من الشركاء وعلى عكس الإيرانيين، الذين يريدون البقاء فى سوريا، فإن السؤال بالنسبة لنا هو كيف نرحل، كما قال نائب وزير الخارجية الروسى السابق أندريه فيدوروف".
وختم اجناتيوس مقالته بقوله: "شرع ترامب فى مهمة إيرانية تفتقر إلى هدف واضح المعالم. فى ما يلى اقتراح يعتمد على دروس سنوات ريجان: تتمثل الحلول الصحيحة فى مكافحة التدخل الإقليمى الإيرانى، بالإضافة إلى الحفاظ على الحد من التسلح. فى أن التراجع عن التفكير ليس جنونا، لكنه يتطلب جهدا مستمرا، وليس مسرحية مدهشة تؤثر فى الجمهور.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة