عباس شومان

هكذا ربى النبى أصحابه

الخميس، 17 مايو 2018 10:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه الكرام، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد..
ما أحوجنا فى شهر رمضان المبارك إلى أن نعيد قراءةَ السيرةِ النبويةِ بشكلٍ جديد، تمهيدًا لفهمها فهمًا أكثر عمقًا؛ لنرى كيف استطاع رسول الله. صلى الله عليه وسلم، أن يبنى مجتمعًا راقيًا عفيفًا، بعيدًا كل البعدِ عن التعصب ِالأعمى والتشدد البغيض، والانحلال المذموم، مجتمعًا يتعاون على البر والتقوى، نحتاج إلى القراءة أكثر وأكثر لنرى كيف عَلَّمَ النبى،  صلى الله عليه وسلم،  أصحابه أن قيمة الإنسان ما يُحسِن، وكيف استطاع أن يجعل كل واحد منهم أداة جمع وتوفيق، وأداة تأليف، لا أداة تفريق وعداوة رغم اختلاف مواهبهم واستعداداتهم..، نحتاج قراءةً جديدةً نرى فيها ومن خلالها كيف اكتشف النبى، صلى الله عليه وسلم،  الطاقاتِ الكامنةَ فى نفوس أصحابه، والقدرات الاستثنائية لكل واحد منهم، والمواهب الفذة التى اختص الله، جل جلاله، بها بعضهم، وبعد الاكتشاف كيف عمل على تنمية هذه المواهب وصقلها، ثم وجهها بعدُ التوجيه الأمثل؛ ليجعل من صاحب الموهبة مبدعًا فى مجال من مجالات الحياة المختلفة؛ لخدمة الدين والوطن والمجتمع. الفرق كبير بين المجتمع المتقدم والمتأخر، الأول عندما يلحظ استعدادًا فطرِيًَّا للنُّبوغ يقوم برعايته واستثماره، والثانى يهمله حتى تُطمس معالمه وتخبو جذوته، أضرب لكم مثالًا: فى بداية قدوم النبى، صلى الله عليه وسلم،إلى المدينة يسارع أهلها مستبشرين وفيهم غلام يَتِيمٌ، يُعَرِّفه قومه بأنه غلام من الخزرج حفظ من القرآن الكريم ست عشرة سورة، هذا الغلام فى غزوة بدر يطلب أن يشارك فى القتال، لكن النبى، صلى الله عليه وسلم، ينظر إلى عقله المتوقد وجسده الغض، فيرده رَدًا رقيقًا لصغر سنه، هذا الغلام نفسه زيد بن ثابت يطلب منه النبى، صلى الله عليه وسلم، أن يتعلم بعض اللغات فيتعلمها فى وقت وجيز؛ لأن الأمم المتحضرة لا بد أن تتمتع بأفراد يتقنون اللغات الأجنبية، ويخاطبون أصحاب الثقافات الأخرى بلغتهم، ويعرضون الإسلام عرضًا صحيحًا، لقد صار ذلك الفتى الصغير مستشارًا لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، فى أعمال الترجمة، فالعاقل ينبغى أن يوظف مواهبه التوظيف الأمثل، وعلى الجانب الآخر، يستمع النبى، صلى الله عليه وسلم، وزوجه السيدة عائشة، رضى الله عنها،  إلى الموهبة الصوتية الرائعة لسالم مولى أبى حذيفة فى تلاوة القرآن الكريم، فيلتفت إليها قائلًا: «الحمد لله الذى جعل فى أمتى مثل هذا»، «رواه أحمد وابن ماجة»، هى إذًا موهبة تؤثر فى المحيطين حتى تدمع العيون، وتخشع القلوب، وتلذ النفوس، فلماذا تهمل.. يسعد سالم بتلك الكلمات، ويجد ويجتهد فى القراءة حتى امتلك الكفاءة والدقة العالية فى الأداء القرآنى، بجانب الإبداع الفنى، والجمال الصوتى، لدرجة جعلت النبى، صلى الله عليه وسلم،  يوصى  أصحابه  أن يتعلموا القرآن، ويأخذوه من أربعة قراء من أصحابه، هو منهم، وها هى الخنساء الشاعرة المخضرمة تعلن إسلامها وهى مشهورة بالشعر، خصوصًا قصيدتها الرائعة فى رثاء أخيها، فلا يحرمها النبى، صلى الله عليه وسلم، من ممارسة موهبتها، لكنه يهذبها ويوظفها توظيفًا حضاريًّا لائقًا بالكرامة الإنسانيَّة، فالنبى صلى الله عليه وسلم، يتذوق  الكلمةَ الحلوة، والنظم المسبوك، والديباجة الكريمة، وإن من البيان لسحرًا، فهو يستنشدها ويعجبه شعرها، ويقول: «هيه يا خناس»، أو يومئ بيده، فالخنساء تملك موهبة قادرة على استجاشة القلوب، وتحريك المشاعر، واستمالة العواطف.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة