القرآن الكريم له منزلة سامية فى الدنيا والآخرة، فهو نور يهدى صاحبه إلى الحق وإلى الطريق المستقيم، جعلنا الله وإياكم من حفظة كتابه العالمين العاملين به، والصحابى الذى نتكلم عنه اليوم هو أبوعبدالله سالم بن عبيد بن ربيعة، من أهلِ القرآن أهلِ الله وخاصته، تعلمه وعمل به، لكنه لم يشتهر بهذا الاسم، كانت موهبته الصوت الندى، والقراءة المتقنة لكتاب الله، حتى أن السيدة عائشة- رضى الله عنها- فى ليلة أبطأت بعد العشاء، ثم جاءت، فقال لها النبى- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أين كنت؟»، فقالت: كنت أستمع قراءة رجل من أصحابك، لم أسمع مثل قراءته وصوته من أحد، قالت: فقام، ومعه أم المؤمنين- رضى الله عنها- فاستمع له، ثم التفت إليها وقال بعد أن ذكر اسمه: «الحمد لله الذى جعل فى أمتى مثل هذا» «رواه أحمد وابن ماجة»، وهى شهادة من خير خلق الله وقائد الأمة إذا سمعها ذو موهبة حقيقية فرح بها وكانت أكبر مكافأة له وأعظم دافع لحفظ القرآن وإتقان قراءته، فالنبى- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعبقريته وفِراسته فى الرِّجال، وعلمه بأقدارهم، ينظر لأصحابه نظرة الخبير ليكتشف منهم النابغين والموهوبين والمتميزين فى كافة المجالات، ليوجههم التوجيه السليم، وأمامه موهبة صوتية فذة، ولتنمية هذه الموهبة لا بد أن تُوجَّه إلى مجال الأداء القرآنى، لتتزين هذه الموهبة بتلاوة القرآن الكريم، ويستجيب سالم، ويصرف همه لهذا الهدف السامى ويبرع فيه جدًا، حتى امتلك الكفاءة والدقة العالية فى الأداء القرآنى، بجانب الإبداع الفنى والجمال الصوتى لدرجة جعلت النبى- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوصى أصحابه أن يتعلموا القرآن ويأخذوه من أربعة قراء من أصحابه هو منهم، إنه الصحابى الجليل سالم مولى أبى حذيفة، كان من أهل بلاد فارس وقد وقع عليه سُبِى فحُمِل إلى مكة فاشترته زوجة أبى حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس القرشى، ثم أعتقته، ويعد من السابقين الأولين البدريين المقربين، ومن أوائل المهاجرين إلى المدينة ونتيجة العناية به يتجه بكليته إلى كتاب الله فقد روى البخارى ومسلم وغيرهما عن عبدالله بن عمرو أن النبى- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «خذوا القرآن من أربعة: من ابن مسعود، وأبى بن كعب، ومعاذ بن جبل، وسالم مولى أبى حذيفة»، ويقينًا كلمات النبى- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التشجيعية لسالم جعلته من الأربعة الأكثر ضبطًا لألفاظ القرآن الكريم، والأكثر إتقانا فى الأداء، والحديث يدل على حسن حاله فى الظاهر والباطن، وأن الإسلام يقدم دائما الكفاءات، فلما هاجر قبل الهجرة النبوية المباركة، كان يؤم المهاجرين الذين قدموا من مكة بمسجد قباء وفيهم كبار الصحابة كعمر بن الخطاب وأبى سلمة، وعامر بن ربيعة- رضى الله عنهم جميعًا- يصلون خلفه واستمر كذلك حتى قدم النبى- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة، لقد صار هذا الصحابى الموهوب محبوبًا لقلوب الصحابة- رضى الله عنهم- ولم يلتفت أحد إلى أنه كان من الموالى، بل إنهم تعلموا من الإسلام أن أكرم الناس عند الله أتقاهم، حتى أن بعض الصحابة سمى ولده باسم سالم تيمنًا باسمه، فقد ورد عن سعيد بن المسيب، قال: قال لى عبدالله بن عمر: أتدرى لم سميت ابنى سالما؟ قلت: لا. قال: باسم سالم مولى أبى حذيفة. وأبوه عمر بن الخطاب رضى الله عنه، بعد أن طعنه أبولؤلؤة المجوسى، قال له سعيد بن زيد: أما إنك لو أشرت برجل من المسلمين، لائتمنك الناس، وقد فعل ذلك أبوبكر الصديق، فرد عمر بن الخطاب بكلام يدل على مكانة سالم ومنزلته فقال: «لو أدركنى أحد رجلين، ثم جعلت إليه الأمر لوثقت به: سالم مولى أبى حذيفة، وأبو عبيدة بن الجراح»، ويشارك سالم فى بناء الدولة ويدافع عنها ضد الأعداء ويشارك فى قتال مسيلمة الكذاب، وعندما يشتد القتال وينكشف المسلمون يوم اليمامة، قال سالم مولى أبى حذيفة: ما هكذا كنا نفعل مع رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويحفر لنفسه حفرة، ويقوم فيها ومعه راية المهاجرين يومئذ، ويظهر شجاعة منقطعة النظير، حتى يلقى الله شهيدًا سنة اثنتى عشرة من هجرة النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فرحمه الله رحمة واسعة.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة