جدل دائم ومناقشات لا تنتهى ولا تصل لنتائج، الإعلانات تحتل الوقت الأكبر للمسلسلات، وتتجاوز عدة أضعاف وقت الحلقة، أين حق الجمهور والمشاهدين؟ ولماذا تطغى الإعلانات على المحتوى؟ بينما الرد أن الإعلانات تفرض نفسها ووجهات نظرها، وهى التى تتحكم فى الإنتاج وأجر النجوم والتسويق وكل عناصر العمل، لأنها تعنى الفلوس، وهى العنصر الحاسم فى اللعبة كلها، وهذا هو الواقع الذى يعلنه رجال الإعلانات والدعاية مباشرة أو بشكل غير مباشر، وأغلب هؤلاء الذين ينظرون فى الإعلانات والدراما يعرفون ذلك، لكنهم يحاولون نسيانه أو تجاهله. الإعلانات ظهرت واتسعت من السبعينيات، وفرضت نفسها على كل تفاصيل شهر رمضان، بل حتى خارج الشهر، فإن الإعلان والتسويق هو الذى يفرض نفسه.
وحتى لو كان المشاهد لديه خيارات أن يشاهد المسلسلات على يوتيوب فهى أدوات ووسائل محكومة بالإعلانات والتسويق، مثل كل شىء فى العالم، كما أن ظاهرة النجم الذى يحصل على أجر يساوى أضعاف تكاليف العمل تفرضها الفلوس التى تتكلم، وتفرض نفسها وأذواقها على الجمهور، وفرضت دراما النجم الواحد نفسها لسنوات، وأصبح أجر البطل يتجاوز ثلاثة أرباع تكلفة الفيلم أو المسلسل، مادام قادرا على جذب إعلانات وتسويق العمل مهما كان بلا مضمون ولا محتوى، أما فكرة أن الإعلانات تروج السلع الراكدة، فهذا واقع، لأن السلعة لو كانت سهلة التسويق لا تحتاج إلى إعلانات، وقبل رمضان تبدأ عمليات تسويق المسلسلات بإعلانات الطرق التى تشمل تسويق السلعة الفنية، من أجل تسويق السلعة الاستهلاكية.
ظاهرة زرع الإعلانات فى المسلسلات بلغت ذروتها فى التسعينيات، وكانت صادمة لجمهور يكتشف أنه يشاهد المسلسل فى أكثر من ساعة، وفى البداية حاول كبار الكتاب، ومنهم أسامة أنور عكاشة، مواجهة ذلك، لكن الأمر كان أقوى من الكاتب ومن الممثل والجمهور، لأنه يتعلق بتمويل وإنفاق وفلوس وتسويق، وعندما يتعلق الأمر بالتسويق، فليس لأحد أن يتكلم.
فرض الإعلان أمرا واقعا، أنه أهم من المحتوى، وأن المحتوى من دون التمويل ليس له قيمة، قد يقال ذلك بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، ويطرح بطرق مختلفة وأشكال متعددة، ليس فقط فى الدراما، لكن فى الإعلام وغيره، واتسعت هذه الظاهرة طوال عقود، ومثلت فرضا لا يمكن إنكاره أو تجاهله، ليس فى مصر فقط، وإنما فى العالم كله بدرجات مختلفة، وأى نظرة على البرامج والتوك شو، وظهور واختفاء أسماء وأشخاص فى عالم السياسة والنجومية يرتبط بالتسويق، والقدرة على اختيار أنسب طرق تصنع الشهرة، بصرف النظر عن المنتج الذى يتم تسويقه.
نحن أمام عمليات تسويق يومية ولحظية لكل المنتجات والأشخاص بشكل منهجى، وما نراه من جدل حتى على مواقع التواصل هو نوع من منافسات التسويق التى يتم إنفاق الأموال عليها، ومن يريد أن يلمع أكثر عليه أن يدفع، لدرجة أن مواقع التواصل عرفت نجوما ليس لأى منهم إنجاز من أى نوع، فقط القدرة على إثارة الجدل ولو حتى من باب الشتيمة.
والواقع أن الإعلانات تفرض نفسها والتسويق هو الأصل، والدراما والمحتوى هى لملء الفراغات بين الإعلانات، حيث يتم تسويق سلعة درامية لترويج سلعة أو منتج استهلاكى.