سلى صيامك مع الألغاز فى رمضان.. ما هى خطوط نازكا؟

الثلاثاء، 22 مايو 2018 02:00 م
سلى صيامك مع الألغاز فى رمضان.. ما هى خطوط نازكا؟ خطوط نازكا
كتب بلال رمضان

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ما هى خطوط نازكا؟.. سؤال نجيب عنه فى الحلقة السادسة من سلى صيامك مع الألغاز فى رمضان، من كتاب "ألغاز تاريخية"، وهو من تأليف بول أرون، ومن ترجمة شيماء طه الريدى، ومراجعة إيمان عبد الغنى.
 
فى سبتمبر من عام 1926، تسلق اثنان من علماء الآثار — البيروفى توريبيو ميخيا والأمريكى ألفريد كروبر — المنحدرات الصخرية الواقعة بالقرب من بلدة نازكا فى جنوب غرب بيرو، وكانا يعتزمان فحص جبانة قريبة. بعد ذلك، عندما توقفا للحظات ونظرا إلى الصحراء الحصوية المنبسطة من أعلى، لاحظا وجود سلسلة من الخطوط الطويلة المستقيمة تمتد عبر الأفق. واعتقد كلا الباحثَين أن تلك الخطوط هى نظام للرى من نوع ما، ولم يولِها أى منهما الكثير من التفكير بخلاف ذلك.
Graphics-Nazca-Lines
 
وحتى ثلاثينيات القرن العشرين، حين بدأت خطوط الطيران التجارية فى التحليق فوق الصحراء، لم يدرك الطيارون والمسافرون أن هناك المزيد والمزيد من هذه الخطوط، بل والمزيد فيما يتعلق بأصولها. فقد استطاعوا من فوق السحاب رؤية المئات من الخطوط، التى يتجه الكثير منها إلى الخارج من نقاط مركزية، والبعض منها يمتد لأميال باستقامة تامة. كذلك كانت هناك أشكال أخرى تراوحت بين مثلثات ومستطيلات، وأشباه منحرف، وحلزونات، والعديد من أشكال الحيوانات.
وبحسب ما كتبه عالم الأنثروبولوجيا أنتونى أفينى، فإن المشهد من السماء كان أشبه بسبورة لم يمح ما عليها فى نهاية حصة هندسة مليئة بالشرح والتوضيح.
 
عند نزول عالمى الآثار إلى الأرض، أقبلا على فحص الخطوط والأشكال ورأيا أنها قد نقشت عن طريق إزاحة الحصى الذى يغطى الصحراء جانبا. وأسفل هذا الحصى كانت هناك رمال فاتحة برزت واضحة وسط بقية الرمال؛ لأن الحصى الأدكن كان قد كون حدا بمحاذاة الخطوط والأشكال.
 
وقد أدرك عالما الآثار كذلك أن هذه الرسومات بمجرد رسمها استطاعت أن تبقى على حالتها الأصلية لأجل غير مسمٍى؛ فقد كانت الصحراء حول نازكا فى غاية الجفاف إذ تتلقى قرابة عشرين دقيقة من الأمطار فى السنة، كما لم تهب عليها الرياح؛ حتى إن هذه الخطوط قد يصل عمرها إلى قرون أو حتى آلاف السنين. وبالفعل، فإن بقايا الفخاريات التى وجدَت بمحاذاة بعض الخطوط بدت تشير إلى أن بعضها قد تكون منذ أكثر من ألفى عام.
 
images
 

هل عرف سكان نازكا القدماء الطيران؟

تساءل العلماء: ما الذى يمكن أن يكون قد أوحى لفنانى تلك الفترة باختيار مثل هذه الرسومات الصعبة؟ ولماذا رسموا نقوشا بهذه الضخامة، حتى إنه لم يكن بالإمكان التعرف عليها من مستوى أرضي؟ خمن البعض أن سكان نازكا القدماء ربما يكونون قد عرفوا كيفية الطيران، باستخدام نوع من الطائرات الشراعية البدائية أو مناطيد الهواء الساخن. أو ربما، وفقا لأشهر التفسيرات لوجود الخطوط والأشكال، لم يكن سكان نازكا هم من رسموها، وإنما زائرون من الفضاء الخارجي؛ وبحسب هذه النظرية، فقد كانت الخطوط عبارة عن مهابط لمركبات الفضاء الخارجي، والأشكال مواقعَ هبوط لها.

كانت نظرية الفضاء الخارجى، التى تسبب فى شهرتها الكِتاب الأكثر مبيعا "مركبات الآلهة" لمؤلفه إيريك فون دانيكن، خيالا محضا. فلم تقم على أكثر من تشابه سطحى للغاية بين جزء صغير من النقوش الصحراوية وأحد المطارات الحديثة. ولكن كتاب فون دانيكن، شأنه شأن نظرية أن سكان نازكا القدماء كان بمقدورهم الطيران، قدم على الأقل تفسيرا من نوع ما للنقوش الضخمة والغامضة.
كيف استطاع العلماء أيضا تفسير هذه الخطوط التى نقشَت فى الرمال؛ ولكن لم يكن بالإمكان رؤيتها إلا من السماء؟ جاءت أولى الدراسات الجادة لخطوط نازكا فى عام 1941، حين قام مؤرخ أمريكى يدعَى بول كوسوك بزيارة الصحراء.
Nazca-Lines
 
كان كوسوك أيضا يبحث عن حل اللغز بالنظر إلى السماء. وجاءته لحظة الإلهام فى حين كان يشاهد غروب الشمس، فإذا به فجأة يلاحظ أنها تغرب فوق نهاية أحد الخطوط الطويلة بالضبط. وبعد لحظة، أدرك أن اليوم هو 22 يونيو، أقصر يوم فى السنة واليوم الذى تغرب فيه الشمس فى أقصى الشمال الغربى.
يسترجع كوسوك الأمر لاحقا بقوله: "أدركنا فى الحال بسعادة جمة أننا قد وجدنا، فيما يبدو، مفتاحَ حل اللغز! فلا شك أن سكان نازكا القدماء قد نقشوا هذا الخط لتمييز الانقلاب الشتوى. وإذا كان الأمر كذلك، فمن المرجح للغاية أن تكون العلامات الأخرى مرتبطة بطريقة ما بأنشطة فلكية وأخرى ذات صلة". اضطر كوسوك لمغادرة الصحراء قبل أن يتسنى له إجراء دراسة أكثر شمولا؛ لذا استعان بمساعدة ماريا رايشي؛ وهى معلمة رياضيات فى ليما، ألمانية المولد. 
وبنهاية العام، كانت رايشى قد اكتشفت أن اثنى عشر خطا آخر قد أدت إما للانقلاب الشتوى أو الانقلاب الصيفي. وخلص كوسوك ورايشى إلى أن الصحراء كانت "أكبر كتاب فلك فى العالم". وبتمييز المواقع الفلكية المهمة فى الأفق، عملت أيضا الخطوط كتقويم ضخْم.
 
ذهب منتقدو كوسوك ورايشى إلى أنه مع امتداد هذا العدد الضخم من الخطوط فى هذا العدد الضخم من الاتجاهات المختلفة، فإنها مجرد مصادفة أن يكون البعض منها فى محاذاة مع الشمس. وصارت هناك حاجة لمقاربة أكثر منهجية.
كان هذا بالضبط ما عزم جيرالد هوكينز، حين وصل إلى بيرو فى عام 1968، على تقديمه؛ وبدا الرجل المناسب تماما لتلك المهمة. فقد كان فلكيٍا وليس عالم آثار، وكان تحليله الذى توصل إليه بمساعدة الكمبيوتر للمحاذاة السماوية فى ستونهنج قد أقنعه بأن تلك الأطلال كانت يوما ما مرصدا فلكيٍا. فبدأ هوكينز مهمته بتخصيص فريق للتحليق فوق الصحراء والتقاط مجموعة من الصور الفوتوغرافية التى استخدمت لوضع خريطة دقيقة للخطوط، ثم قام بتغذية الكمبيوتر بمواقع الشمس والقمر والنجوم المختلفة عبر الأفق، مع تعديلها بحيث يأخذ فى الاعتبار التغيرات التى حدثت تدريجيا على مدار الألفى عام المنصرمة. وفى النهاية، وقع اختياره على 186 خطا من قسم معين من الصحراء.
وجد هوكينز أن 39 خطا من الـ 186 قد تطابق كل منها مع أحد المواقع الفلكية. قد يبدو ذلك رائعا، ولكن مع كثرة المواقع الفلكية الموجودة للاختيار من بينها، كان ذلك فعليا خيبة أمل ضخمة. فقد أمكن التنبؤ بأن قرابة 19 خطا وافق المحاذاة مع المواقع الفلكية من منطلق المصادفة وحدها، والكثير من التوافقات الأخرى كانت فى الواقع مزدوجة، حيث أدى خط واحد إلى انقلاب شتوى فى اتجاه، وانقلاب صيفى فى الاتجاه الآخر. أضف إلى ذلك أن أكثر من 80 بالمائة من الخطوط المختارة كانت تسير فى اتجاهات عشوائية تماما.
ومن ثم خلص هوكينز، المؤيد الأكبر لوجود تفسير فلكى لستونهنج، إلى أن نظرية تقويم الشمس والقمر والنجوم قد قضى عليها بواسطة الكمبيوتر فى نازكا.
 
nazca-lines-aliens-2
 
وفى أوائل ثمانينيات القرن العشرين، قامت عالمة الآثار الكندية برسيس كلاركسون بجمع شظايا الفخار الموجودة بمحاذاة الخطوط، ثم قارنتها بالفخار المعروف مصدره من حقب متعددة من عصر ما قبل التاريخ البيروفي. وكان الاستنتاج المدهش الذى توصلت إليه هو أن بعض الشظايا (خاصة تلك القريبة من رسوم الحيوانات) يرجع تاريخها إلى ما بين عامى 200 قبل الميلاد و200 ميلاديا، فى حين تطابقت الأخرى مع طراز فنى ساد بعدها بألف عام تقريبا.
كانت النتائج بالنسبة إلى أولئك الساعين لإيجاد تفسير للخطوط مثيرة؛ فإذا كانت الرسوم والخطوط قد نقشت على مدار تلك الفترة الطويلة، وإذا كانت قد مثلت أعمال أناس من حقب مختلفة تماما، إذن فقد تكون أيضا قد خدمت مجموعة متنوعة من الأهداف. بعبارة أخرى، هناك أكثر من تفسير قد ينطبق على الخطوط، أو بالعودة إلى استعارة أفيني، لعل السبورة كانت مغطاة بأعمال لم تمحَ، ليس لحصة واحدة، بل للعديد من حصص الهندسة المختلفة.
 
كان للتفسيرات التالية التى ظهرت فى أواخر ثمانينيات القرن العشرين صلة دائمة بالماء؛ ولا غرابة فى ذلك بالنظر إلى ندرته فى الصحراء. فقد ذهب عالم الأنثروبولوجيا يوهان راينهارد إلى أن بعض الخطوط ربما تكون قد ربطت نقاطا معينة فى منظومة الرى بأماكن العبادة، ربما كجزء من أحد طقوس الخصوبة. واتخذت تصاميم الطيور العديدة مدلولا جديدا، لا سيما أن مزارعى نازكا فى العصر الحديث يفسرون رؤية طيور البلشون، أو البجع، أو الكوندور كدلالات لنزول المطر؛ وربما كان رسم الطيور والحيوانات الأخرى طلبا لهطول المطر.
لاحظ عالما أنثروبولوجيا آخران، هما أفينى وهيلين سيلفرمان، أن الخطوط تتلازم مع العديد من المواقع الجغرافية. فقد كانت معظم الخطوط مصممة فى نفس الاتجاه الذى تدفق فيه الماء بعد العاصفة الممطرة الصحراوية النادرة، والعديد منها كان له نفس اتجاه المجارى المائية القريبة حيث كانت المياه تجرى يوما ما. لم يكن أفينى وسيلفرمان يعتقدان أن الخطوط كانت مصارف رى - إذ كانت من الضحالة مما يتعذر معها أن تكون مصارف - ولكنهما اتفقا فى الرأى مع راينهارد فى وجود صلة شعائرية من نوع ما بين الخطوط والماء.
كذلك تعاون أفينى مع عالم آخر فى الأنثروبولوجيا، هو توم زوداما - وهو خبير فى شعب الإنكا الذين حكموا جزءا كبيرا من بيرو حين وصل الإسبان. أدرك زوداما أن كوزكو، عاصمة إمبراطورية الإنكا، صممَت كشبكة من الخطوط المستقيمة التى تنطلق كشعاع من معبد الشمس، فى منتصف المدينة. وكان للتصميم الشعاعى مدلول دينى واجتماعى للإنكا، وفقا للمؤرخين الإسبان الأوائل. وخلص زوداما وأفينى إلى أن التصميم الشعاعى للعديد من الخطوط الصحراوية قد أشار إلى أن سكان نازكا كانت لهم معتقدات مماثلة.
بحث عالم آخر فى الأنثروبولوجيا، هو جارى أورتون، عن أشياء موازية فى ممارسات السكان المعاصرين للقرى الجبلية بالقرب من كوزكو. فراح أورتون يصف كيف شارك أهل قرية باكاريكتامبو، أثناء احتفالات معينة، فى طقس يتمثل فى كنس الطرقات الطويلة الرفيعة للساحة العامة. ومن ثَم لم يبْد بعيدا عن مخيلة أورتون أن يتصور سكان نازكا القدماء وهم يؤدون طقسا مماثلا على الخطوط الصحراوية.
فى تلك الأثناء، واصلت ماريا رايشى الحياة فى نازكا، ليس فقط كخبيرة فى الخطوط، بل أيضا كحارسة لها. وبعد أن حولت أعمال فون دانيكن نازكا إلى وجهة سياحية، ألغاز تاريخية محيرة استخدمت رايشى مواردها المالية المحدودة لجلب حراس أمن. حتى بعد أن صارت سيدة عجوزا، كانت تجوب الصحراء على كرسيها المتحرك، وتقوم بطرد السياح إذا خشيت أن يلحقوا ضررا بالخطوط. فكانت فى نازكا بطلة قومية.
فى بداية تسعينيات القرن العشرين، أصبحت ماريا رايشى وشقيقتها - ريناتِه رايشى - فى غاية اليقظة والانتباه، على الأقل وفقا لبعض الباحثين. فقد قام حراس ماريا رايشى بمنع كل من كلاركسون وأورتون من العمل فى الصحراء مؤقتا، متهمين الأولى بسرقة قطع خزف مكسورة والأخير بتعمد الإضرار بالسهول. فربما كانت ماريا رايشي، حسبما أشار منتقدوها، تحاول الحفاظ على نظريتها الفلكية وكذا خطوطها.
وإذا كان الأمر كذلك، فقد تكون ماريا رايشي، التى توفيت عام 1998 عن عمر يناهز الخامسة والتسعين، قد استمدت بعض السلوى من أحدث التحليلات الفلكية التى أجراها أفينى وفلكى بريطانى يدعَى كلايف راجلز. فشأنهما شأن هوكينز، وجدا - أفينى وراجلز - أن المحاذاة السماوية لا يمكن أن تبرر غالبية خطوط نازكا. غير أنهما قد خلصا، على عكس هوكينز، إلى أنه كانت هناك العديد من حالات المحاذاة مع المواقع الفلكية لدرجةٍ تجعل من المستحيل أن تكون جميعها مجرد مصادفة. لاحظ أفينى كذلك أن بعضا من الخطوط الشعاعية فى كوزكو قد كانت فى محاذاة مع مواقع للشمس والقمر والنجوم؛ ما أدى به إلى استنتاج أن علم الفلك كان له دور ما فى نازكا، وإن كان دورا أصغر كثيرا مما تخيله كوسوك أو رايشي.
كان قراء فون دانيكن أيضا سيصابون بخيبة أمل بلا شك بفعل أحدث ما تم التوصل إليه من التفكير بشأن الخطوط. فنطاق النظريات المتداخلة — الفلكية، والزراعية، والدينية — لا يوفر الرضا نفسه الذى كان سيتوافر فى وجود تفسير واحد.
ولكن للأسف، فمن المستبعد تماما أنه قد كان هناك تفسير واحد استطاع أن يبرر وجود كل الخطوط والرسوم.
غير أن هناك الكثير من الأمور المشتركة فيما بين النتائج الأخيرة لأفينى وسيلفرمان وأورتون وزوداما، وآخرين غيرهم، أكثر مما يبدو الحال للوهلة الأولى. فقد بدأ كل من هؤلاء الباحثين بالبحث عن صلات بين سكان نازكا والثقافات البيروفية الأخرى، سواء أكانت قديمة أم حديثة. وكل من هذه الصلات ساعد فى فهم خطوط نازكا.
لقد أطلق على الخطوط "إحدى عجائب العالم القديم"، مما يوحى بأنها كانت لافتة للنظر، لدرجة تجعل من الصعب فهمها فى سياق أى شيء آخر معروف عن آثار أمريكا الجنوبية. ولكن العكس صحيح من وجهة نظر أحدث علماء الآثار والأنثروبولوجيا، ومؤرخى نازكا: فإذا كنا سنفهم الخطوط على الإطلاق، فلا يمكن لذلك أن يتحقق إلا فى سياق عالمها.
 









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة