ظاهرة تعدد الجهات التى تطلب التبرع، وتخاطب الحس الإنسانى للمواطنين ظهرت قبل سنوات، وتزايدت وأصبحت لافتة للنظر، وينقسم الناس حولها، لكن بشكل عام فإن بعض إعلانات التبرع مُقبضة ويراها البعض مسيئة، خاصة أنها تتناقض مع إعلانات أخرى تجتاح الفضائيات عن منتجعات وكومباوندات تظهر مصر اثنتين، واحدة غنية تروج المنتجعات والكومباوندات، وأخرى فقيرة تستجدى القروش والجنيهات.
وفى كل الأحوال حتى فى التبرع والعمل الخيرى، فإن المؤسسات التى تستطيع تنظيم حملات دعاية ناجحة يمكنها الحصول على تدفقات وتبرعات أكبر من الجهات التى تعجز عن تنظيم حملات دعائية، والدليل أن المعهد القومى للأورام عجز لفترة طويلة عن تنظيم حملات تخبر الناس بأنه بالفعل يحتاج الكثير.. المعهد يقدم خدماته بالمجان لكل المرضى، لكنه مثل أى مؤسسة علاجية له طاقة لا يمكنه تجاوزها، ولحسن الحظ أن ظهرت جمعيات وجهات أهلية، مثل جمعية أصدقاء المبادرة القومية ضد السرطان وغيرها، سعت لتنظيم حملات للتوعية بما يحتاجه المعهد، وبالفعل شاهدنا تبرعات محلية وعربية مشكورة، ثم إن الدعوة لدعم بناء مستشفى 500500 استطاعت وضع الفكرة فى مستوى التداول، وهناك حملات يشارك فيها خريجو جامعات ومدارس تشجع الآخرين على التبرع.
وكل هذه المؤشرات تكشف أهمية الدعاية، حتى لأعمال الخير، وهناك بالفعل جهات ومستشفيات تقدم خدماتها ولا أحد يعرف عنها شيئًا فى القاهرة والمحافظات، خاصة الإسكندرية، وهى جهات خيرية لكنها مع الوقت تتعثر وتعجز عن الإعلان عن أنشطتها.
وقد شرح الدكتور شريف أبوالنجا، مدير مستشفى 57357، الفكرة بشكل مباشر، مشيرًا إلى أهمية وجود حملات تصل للناس بالفكرة، وقال عن بداية فكرة مستشفى سرطان الأطفال إنه بدأ بتلقى مبلغ كبير أعلن تخصيصه لحملة دعائية للتوعية بأهمية المستشفى، وإن الحملة نجحت فى جذب أضعاف المبلغ الأول، ثم إن مستشفى 57357 حافظ على مستواه، وتوسع خطوة وراء أخرى، وهو ما حدث مع المؤسسات التى نجحت فى الحفاظ على مستواها العلمى والطبى والخدمى، وبالتالى تتوسع بشكل معقول.
ومن بين إعلانات التبرع يأتى إعلان مركز مجدى يعقوب فى أسوان، والذى يغنى فيه الأطفال لملك القلوب مجدى يعقوب «قلبى ومفتاحه دول ملك إيديك ومساه وصباحه بيسألنى عليك»، مع الابتسامة الطفولية البريئة للجراح العالمى. وبالرغم من أنه إعلان دعائى، فإنه يبدو أكثر دعايات الخير تأثيرًا، ربما لأن مجدى يعقوب يحتل مكانًا مميزًا فى قلوب الجميع، كبارًا وصغارًا، لما يقدمه من قيم العلم والاحترام والتواضع.
خلاصة الأمر أن فعل الخير أيضًا يحتاج إلى تسويق ودعاية، حتى يمكن لمثل هذه المؤسسات أن تستمر، مع الأخذ فى الاعتبار أن هذه الظاهرة ليست عندنا فقط، لكنها موجودة فى كل العالم المتقدم، حيث يلعب المجتمع المدنى دورًا مهمًا من خلال مؤسسات واضحة وضخمة تمول الأنشطة والمشروعات الخيرية والاجتماعية، وربما نحتاج نحن إلى عبور مراحل التشتت للوصول إلى نظام أهلى وخيرى يتجاوز فكرة الاستجداء إلى التبرع، ووضع قاعدة لقيام مجتمع مدنى حقيقى يصب كله باتجاه واحد، وليس باتجاهات متعددة ومتشعبة.