منذ سنوات قليلة أثير موضوع يتعلق بالشخصية الإسلامية المهمة فى تاريخ الفتوحات عقبة بن نافع، وكان الكلام وقتها أن عقبة شخصية دموية أراق الكثير من الدماء أثناء فتحه لشمال أفريقيا وإخضاعه لقبائل البربر، وفى الحقيقة ليس لدى الحقيقة الكاملة للتعليق على هذا الأمر بالإيجاب أو بالنفى، لكن إحساسى بالرجل مختلف تماما.
كان عقبة بن نافع، المقرر علينا فى الصف الأول الإعدادى، أول شخصية إسلامية تقترب منى وأقترب منها، كان مؤمنا بما يفعله، ساعيا وراء حلمه للنهاية لم يقل لنا أحد إنه كان دمويا، لكننا ورغم أعمارنا الصغيرة نعرف ما تفرضه الحروب على الناس، خاض بحصانه فى ماء البحر، وقال «اللهم لو كنت أعلم أن وراء هذا البحر أرضا لخضته إليها»، كانت هذه الجملة رنانة جدا، هل أقول بلاغية جدا؟ رغم خلوها تقريبا من المحسنات التى يعرفها بالطبع أهل الأدب، نعم بلاغية ومثيرة، تعلمنا أنه لابد أن تكون للبطل مقولات، لا أنكر أنه فى هذه الفترة كانت فكرة البطل المسلم تسيطر علينا، ومع كل المياه التى جرت فى حياتى حتى الآن تظل هذه الجملة واحدة من المقولات المؤسسة لفكرة الحلم الشخصى.
ومما أعجبنى فى عقبة بن نافع وكان هو المسؤول عن حامية برقة أنه نأى بنفسه عن «الفتنة الكبرى» ولم يخض فيها أبدا، ولم يستطع أى حاكم أن يحسبه على طرف ضد طرف، حتى أنه ظل فى موقعه فى أزمنة الخليفة عثمان بن عفان والإمام على ومعاوية.
كنت فى ذلك الوقت أسير أفكار الحب والكراهية، لذا بالقدر الذى أحببت فيه عقبة بن نافع كرهت كسيلة بن لمزم، الخائن، الذى نكص العهد وأعد كمينا للبطل المنتصر، وقتل عقبة وثلاثمائة من رفاقه وهم يصلون، هذا التناقض بين الشخصيتين جعلنى أعرف دائما أن الحياة بها لونان ضروريان هما الأبيض والأسود، فيها الساعى للخير والباغى للشر.
لكننى أعترف أننى عندما كبرت لم أهتم بالبحث خلف شخصية عقبة بن نافع، هل خشيت أن أجد شيئا ما غير نقى فأجرح صورته فى نفسى؟ أعتقد أن ذلك هو السبب، أردت أن يظل مشهد استشهاده هو صورته الأخيرة التى أغلقت عليها الكتاب وعيناى تدمعان، وسؤال يلح: ماذا لو عرف عقبة أن وراء البحر بشرا يملكون كلمة تخصهم وسيفا يبرق ويلمع مثل سيفه هل كان سيعبر البحر؟