نتفق جميعا على أن العالم يمكن أن يكون أفضل حال احتواء كوريا الشمالية وإعادة دمجها فى النظام الدولى، ونتفق جميعا على أن نزع سلاح بيونج يانج مقابل المساعدات الاقتصادية يمكن أن ينعكس بالإيجاب على دول منطقة جنوب شرق آسيا وبحر اليابان، كما يؤدى إلى تراجع مناطق التوتر ليس فى آسيا فقط بل فى مناطق أخرى فى العالم، وبالتالى يتعزز مناخ السلم العالمى وترتفع المؤشرات الاقتصادية وفرص الاستثمار حول العالم.
لكن هل يرى الرئيس الأمريكى دونالد ترامب أن المصالح الجمعية للعالم بالضرورة تلتقى مع المصالح الأمريكية؟ هل تعزيز السلم العالمى وتخفيف التوتر بين كوريا الشمالية وجيرانها والمعسكر الغربى أنسب لواشنطن أم أن الإبقاء على مناخ الصدام والتوتر أكثر ملاءمة للمصالح الأمريكية، خاصة أن واشنطن ترغب فى استمرار سيطرتها على منطقة بحر اليابان وضمان تحالفها مع كوريا الجنوبية واليابان من ناحية، وكذا ضمان انضواء الدول الغربية الكبرى فى التحالف ضد بيونج يانج بزعامة واشنطن.
حال انتهاء النزاع بين الكوريتين ودمج بيونج يانج فى المجتمع الدولى، ستكون اليابان وكوريا الجنوبية أكثر تحررا من الوصاية الأمريكية، ويمكن أن تفتح طوكيو ملف القواعد الأمريكية على أراضيها، وكذا ملفات التسليح والسيادة على المياه الإقليمية وغيرها من شروط الإذعان التى تلت إعلانها الاستسلام بعد الحرب العالمية الثانية، كما ستسقط إحدى الحلقات التى تمسك التحالف الغربى بقيادة الولايات المتحدة.
إذا كانت واشنطن غير جادة فى برنامج المصالحة وإرساء السلام مع بيونج يانج، فما الأسباب التى دعت ترامب إلى إعلان لقاء قمة 12 يونيو مع كيم جونج أون فى سنغافورة؟ ولماذا تجشمت واشنطن عناء التفاوض والنقاش مع مسؤولى بيونج يانج طوال سنوات حتى الوصول إلى تفاهمات ملموسة بشأن نزع السلاح النووى الكورى الشمالى مقابل حزم مساعدات مالية واقتصادية وضمان دعم كوريا الشمالية فى مرحلة انفتاحها على الغرب والعالم؟
مسار المفاوضات الأمريكية الكورية الشمالية بدأ قبل فوز ترامب فى انتخابات الرئاسة الأمريكية وتشارك فيه مجموعات من مختلف الأجهزة والوزارات الأمريكية بعلم اللجان المعنية فى الكونجرس، أى أن قرار استمرار المفاوضات أو توقفها ليس حقا مطلقا لساكن البيت الأبيض وحده، والدليل على ذلك تصريحات وزير الدفاع الأمريكى جيمس ماتيس، بعد إعلان ترامب قرار إلغاء القمة بأربع وعشرين ساعة، فقد أعلن ماتيس أن القمة مازالت ممكنة وأن الدبلوماسيين فى البلدين يعملون على إتمامها وإعادتها إلى مسارها الصحيح، الأمر الذى يضع علامات استفهام كبيرة حول مغزى وتأثير اللغة العنيفة التى استخدمها ترامب ونائبه مايك بينس فى الإعلان عن إلغاء قمة سنغافورة.
هل نحن بصدد اختلاف حاد بين أجنحة صناعة القرار فى إدارة ترامب بشأن مفهوم التقارب مع كوريا الشمالية؟ هل هناك فى إدارة ترامب من يرى أن المصلحة الأمريكية تقتضى الإبقاء على مناخ التوتر فى بحر اليابان؟ وهل هناك من يرى أن بالإمكان ممارسة مزيد من الضغوط على بيونج يانج وعزلها أو تدميرها بحسب التوقيت المناسب لواشنطن؟ وهل يتغلب تيار الحمائم فى نهاية الأمر ويدفع باتجاه ملف السلام الشامل ودمج كوريا الشمالية فى النظام الدولى؟ الأسئلة كلها مطروحة والاحتمالات مفتوحة.