عندما صرنا طلابا فى الصف الثالث الإعدادى بدأت أجسادنا فى التغير، وبدأت أرواحنا فى الارتباك، وصار اختيارنا الفصل المشترك مع البنات ضرورة لا مهرب منها، وأصبح لعبنا الكرة بشكل يومى منفذنا الوحيد لإحساسنا بذاتنا، وغدت قراءة رواية كفاح طيبة بملحمتها الفرعونية الكبيرة قمة كل شىء.
«أنا أحمس بن كاموس بن سقنن رع من أسرة عريقة انحدرت من أصل طيبة المجيدة».. كنت ولا أزال أحفظ مقطوعات من رواية «كفاح طيبة» لأديب مصر العالمى نجيب محفوظ ، فبين بيتى والمدرسة ما يزيد على نصف الساعة سيرًا على الأقدام ، عادة ما نبدأ هذا المشوار اليومى أو ننهيه بالحديث عن أحمس والهكسوس والحرب والانتصار.
عندما سألتنا الحاجة سيدة، مدرسة اللغة العربية، فى الصف الثالث الإعدادى، عن الذى يعجبنا فى الرواية، قال كل واحد منا شيئا، بعضنا رأى النصر الذى تحقق فى النهاية، والبعض اعتبر رحلة أحمس من أجل تحرير وطنه، وأنا قلت «الإنسانية» التى رسمها نجيب محفوظ لأبطال شخصياته خاصة قصة الحب التى جمعت بينه والأميرة «أمنريدس».
بالطبع قرأت «كفاح طيبة» فى الإجازة التى سبقت دخولى للصف الثالث الإعدادى، وكانت هذه هى المرة الثانية التى أقرأ فيها لنجيب محفوظ، الذى قرأت له من قبل «ليالى ألف ليلة»، وللأسف لم تكن كتاباته متوفرة فى مكتبة المدرسة.
فى هذا العام، سمعت عن جائزة نوبل التى حصل عليها نجيب محفوظ من سنوات قليلة، لكننى لم أعرف الكثير عن قيمتها وقدرها، فقط عرفت أن لنجيب ثلاثية تاريخية تمنيت قراءتها وبالطبع لم أستطع الحصول عليها فى ذلك الوقت.
لماذا تركت رواية كفاح طيبة أثرا كبيرا فى «حياتى»؟ فعلت ذلك لأن تصرفات أحمس وانتصاراته وتضحيته من أجل وطنه كانت مسكونة بالفن، وليست نصائح مباشرة، أو أحداثا جافة تصفه بلا روح، بل إن التفاصيل التى ينطلق منها نجيب محفوظ هى الأهم والأبرز، مبارزته مع القائد «خنزر» أحد قادة الهكسوس فى فصل كامل، والحوار الكاشف بينهما عن الحضارات وتاريخها، واللغة الجميلة ذات الجرس المحبب، جعلتنى أعتقد بشكل كامل أن نجيب محفوظ كان عبقريا منذ بدايته.
كانت الرواية كأنها آلة زمن تعود بنا سنوات وسنوات فنظل منتبهين للقراءة، فإذا ما حملنا حقائبنا وسرنا على أقدامنا المتعبة على الطريق عائدين لبيوتنا، ظللنا نهتف بشكل جماعى «حياة أمنحتب أو ميتة سقنن رع».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة