قال الكاتب الكويتى سعود السنعوسى، الفائز بالجائزة العالمية للرواية العربية، البوكر، إننى لا أبالغ حينما أقول بأن الرقابة منحتنى هامشا كبيرا من الحرية، فى حين أنها كانت سببا فى إقالة حكومة كاملة بسبب دخول 4 كتب إلى معرض الكويت الدولى للكتاب من قبل.
جاء ذلك خلال فعاليات ملتقى تونس للرواية العربية، فى دورته الأولى، والذى ينظمه بيت الرواية فى تونس، ويحل عليه الكاتب الليبى الكبير إبراهيم الكونى ضيف شرف، ويشارك فيه نخبة من الروائيين العرب.
جانب من اللقاء
وقال سعود السنعوسى: إننى لست متأكدًا من أن الرواية العربية فى خطر، نعرف أن هناك ما يعرقلها، ولكن فكرة موت الرواية، خاصة فى هذا التوقيت استبعده، فهذا الجنس الأدبى هو الأكثر مرونة، والأكثر قابلية على الاستمرار، وحتى لا أقع فى فخ التنظير الذى لا أجيده، فلن أتحدث عن محور الندوة، ولكننى سأنطلق من الكويت، لأننى أعرف حقا هذه التجربة.
وأضاف "السنعوسى": برأيى أن ما يعيق حركة تطور الرواية، لا تعد الرقابة جزءًا منه، فأنا أكثر من تضرر من الجهاز الرقابى في الكويت، وحينما أتحدث عن الرقيب وخطورته، فنحن نفترض ذكاءً لا يملكه، فالرقيب الحكومى يمنع بكل بساطة هو لحماية موقع الوزير حتى لا يتعرض للمسائلة من قبل البرلمان.
وأشار "السنعوسى" إلى أنه منذ أواخر السبعينات وحتى منتصف الثمانيات ظهر ما يسمى بالصحوة الدينية أو الإسلامية لسنوات طويلة، أنتجت لنا جيلا منغلقا على ذاته، أحادى التفكير، لا يقبل الآراء الأخرى، وجزء كبير من هذا الجيل يمثلنا فى البرلمان.
كما أشار سعود السنعوسى، إلى أن هناك حادثة شهيرة قبل عشرين عاما، وتحديدًا في عام 1998 تم استجواب وزير الإعلام من قبل تيارات الإسلام السياسى لسماحه بدخول أربعة عناوين كتب فى معرض الكويت الدولى للكتاب، وهذه الكتب كانت للمفكر الراحل نصر حامد أبو زيد، ونوال السعداوى، ورسائل غسان كنفانى، وأدونيس.
جانب من اللقاء
وتابع "السنعوسى": ما ترتب على هذا الاستجواب، هو أن لدينا فى الكويت طلب طرح الثقة فى الوزير، وهو ما يعنى أن الوزير لن يتقلد أى منصب، ما يعنى أن كارته سوف يحرق، وقبل أن تتم جلسة طرح الثقة، ترتب على ذلك إقالة الأمين العام للمجلس الوطنى للفنون والآداب، واستقالة وزير الإعلام، واستقالة الحكومة، وذلك من أجل أربعة كتب.
وأضاف سعود السنعوسى": واستقالت الحكومة، والكتب لا زالت موجودة، وتجولت من بيت إلى بيت، والرقابة لم تفعل أى شىء، فكان الهدف كله منصبا على حماية الوزير، وإلى هذا اليوم، فنحن نتعايش مع هذه المشكلة، ولذلك فإن الحديث الكثير عن الرقابة، وأنه لا يريد للمواطن أن يقرأ، فبرأيى أنها أفكار بالفعل ذكية عن الرقيب، وأنا أعرف ما هو الرقيب، الرقيب يفتح الكتاب، ولديه قائمة من الكلمات ويبحث فيها "أين أنا؟".
جانب من اللقاء
وقال صاحب رواية "فئران أمى حصة": لا أبالغ إن قلت بأن الرقابة منحتنى هامشًا كبيرًا من الحرية لم أكن أحلم به قط، لأننى حينما أكتب وأنا تحت هاجس المنع، وتحت الإيمان بأن هذا العمل ممنوع، فهو ممنوع في أي حال، ولهذا فقل ما شئت، وقل ما لديك، عوضا عن قيامى بلوى عنق الفكرة، ولهذا أقول لنفسى "انطلق"، وهذا ما فعلته مؤخرًا، فليمنع العمل، ففي النهاية المنع صورى، وأنا هناك أتكلم عن تجربتى في الكويت، فالرواية ليست موجودة في المكتبات، وأن تكون الرواية ليست معروضة شيء، وأن تكون أسفل الطاولة شيء آخر، واليوم لدينا الفضاء المفتوح، الانترنت، ولهذا فلم يعد هناك أي جدوى من فكرة المنع.
أما عن انحصار النقد، فرأى سعود السنعوسى، أنه لا يعرقل تطور الرواية العربية، لأن الروائى ينطلق من ذاته بعيدًا عن الأمور الأخرى، وإن كان من شأن النقد أن يدفع بالرواية إلى الأمام، إن كان مواكبًا لها، فمستوى النقد متفاوت في أوطاننا، ولو كان النقد أكثر جدية، وأكثر رصانة لربما ساعد في تطور فن الرواية.
ورأى سعود السنعوسى، أنه إذا كان هناك ثمة خطر على الرواية العربية، فإن هذا الخطر هو الروائى نفسه، فاليوم هناك تيارا كبيرا من الروائيين العرب انشغلوا بمغازلة القارئ الأجنبي طمعا في الترجمة، وتحقيق أوهامه بالوصول إلى العالمية، وأرى أنه لا شأن للعالمية بالترجمة، فرواياتى على سبيل المثال، مترجمة إلى لغات كثيرة، ولا أحد يعرفنى في الخارج، فأبدا لست عالميا.
ورأى صاحب رواية "ساق البامبو" أن مشكلتنا الحقيقة تكمن في هذا التيار الكبير من الروائيين الباحثين عن وهم الترجمة والعالمية، حتى بتنا نقرأ أنفسنا على الصورة التي تقدمها أفلام هوليود، فليس هذا العربى الذى يعرفنى، وإنما هذا هو العربى الذى يريد للأجنبى أن يرانى على هيئته، ولهذا فلا أتصور أن هناك خطرًا على الرواية العربية، إلا من خلال الروائى الذى يسلم نفسه لتنازلات كثيرة.
وأشار سعود السنعوسى، إلى أن الرواية العربية مرت خلال السنوات الماضية مرت بعدة تجارب تجاوزتها، ربما بأقل خسائر، وأحيانا بلا خسائر، وأحيانا أخرى بغنائم كثيرة، وكلنا نتذكر قبل 15 عاما كنا نتحدث عن السوشيال ميديا، وكيف سيكون له أثرا سلبيا على القراء، ويؤدى إلى تراجع الأدب، والرواية، واليوم نرى كيف أثرت وساهمت باستقطاب عدد كبير من القراء، وتكريس مفهوم القراءة على الرغم من أن مجتمعاتنا متأخرة في القراءة، إلا أن الإنترنت ساهم في تكريس المفهوم، واليوم لدينا في الكويت، لا نكاد نذهب إلى أي مكان، ونرى فيه مجموعات القراءة، مجموعات بالمئات، وهذه أمور تجعلنى أشعر بالأمل، والتفاؤل.