خالد محيى الدين، هو آخر السياسيين الكبار فى تاريخ مصر، وصاحب بصمات سياسية مباشرة وغير مباشرة طوال 60 عامًا.. منذ شارك فى تكوين تنظيم الضباط الأحرار وثورة 23 يوليو، التى أنهت النظام الملكى.. كان من دعاة رجوع الجيش لثكناته فى 1954 ، وخسر معركته، وترك مصر إلى منفى اختيارى.
كان خالد محيى الدين فاعلا بما يحمله من ثقافة واطلاع وخبرة سياسية فى دهاليز المنظمات اليسارية فى الأربعينيات.. وأطلق عليه زملاؤه لقب «الصاغ الأحمر »، فى إشارة إلى توجهات محيى الدين اليسارية، وعضويته فى تنظيم «حديتو ».. وبعد أزمة مارس 1954 كتب خالد استقالته ل جمال عبدالناصر، وقبلها جمال وقال له: «يا خالد إحنا أصدقاء لكن المصلحة العامة حاجة تانية لو بقيت فى مصر فسأضطر إما أن أحدد إقامتك أو أحبسك وهذان شيآن لا أحب ولا أريد أن أقوم بهما معك، وأفضل إنك تسافر.. فقال أسافر إلى باريس فقال له عبدالناصر: «باريس فيها حركة سياسية يسارية نشطة وسوف تدفعك للانغماس فيها، وأنا أفضل أن تكون فى مكان هادئ »، واختار خالد محيى الدين سويسرا، حتى مرضت زوجته وعاد بعد موافقة عبدالناصر، والذى طلب أن تكون العودة من دون إعلان، لكن أنور السادات كتب فى الجمهورية مقالا بعنوان «عودة الصاغ الأحمر » فشاع الخبر.
وبالرغم من أن علاقة خالد محيى الدين مع أنور السادات لم تكن على مايرام إلا أن خالد قدم شهادة لأنور السادات ودوره فقال فى كتابه «الآن أتكلم »، إن السادات كان على علاقة بيوسف رشاد، رجل الملك المخلص، ومع هذا لم يفش سرنا له كضباط الثورة ولو فعل لكان مصيرنا كلنا الإعدام.. كان السادات يعرف كل أعضاء لجنة القيادة ولو أبلغ لكان وجه مصر تغير تمامًا، لكنه لم يفعل، وليس دفاعًا عنه فى واقعة مشاجرته فى السينما، فهذا مرتبط بخبرته السابقة فقد حوكم أكثر من مرة، وفصل من الجيش وأراد أن يحصن موقعه لو فشلت الحركة، لكنه لم يتخلف، ثم تلا بيان الحركة فى الإذاعة ».. كان خالد محيى الدين آخر من قدم شهادته من الضباط الأحرار.. قدمها بدقة وعدالة فيما يتعلق بثورة 23 يوليو.
بعد عودته إلى مصر من منفاه بموافقة عبدالناصر ترشح وفاز فى انتخابات مجلس الأمة، ثم أسس جريدة المساء وترأس مجلس إدارة أخبار اليوم.
وبعد رحيل عبدالناصر لم تكن علاقته بالرئيس السادات على مايرام لكنه احتفظ دائمًا بقدرات سياسية لا تصل إلى الصدام، وعندما دعا الرئيس السادات لأول تجربة حزبية على أنقاض الاتحاد الاشتراكى العربى، التنظيم السياسى الوحيد، أسس خالد محيى الدين فى عام 1976 ، حزب التجمع الوطنى التقدمى الوحدوى، ونجح بفضل طبيعته المنفتحة والتوافقية فى إقامة بناء يجمع اليسار بكل درجاته الاشتراكيين والشيوعيين والناصريين والقوميين، وبعض الليبراليين من التوجهات اليسارية، شيوعيو الأربعينيات والخمسينيات من حدتو والعمال الشيوعى مع الناصريين والقوميين.
أسهمت طبيعة خالد محيى الدين فى نجاح الصيغة الابتكارية، التى جمعت الشيوعيين من فصائل مختلفة مع الناصريين بتوجهاتهم المتباينة والاشتراكيين.. ضباط أحرار بجانب نزلاء سجون الثورة، ومسؤولون وقيادات سابقة فى الاتحاد الاشتراكى.. ومثل التجمع معارضة قوية للرئيس السادات، وضم أطيافًا مختلفة وكفاءات أكاديمية واقتصادية وعمالية وثقافية، كانت قيمة التجمع الفكرية والثقافية كبيرة.. وبعد شهور على تشكيله قامت مظاهرات يناير، واتهم عددا من قياداته
بإشعال المظاهرات، وظلوا يحاكمون لسنوات حتى حكم القضاء ببراءتهم.
عارض التجمع الانفتاح الاقتصادى غير المنتج أو «الطفيلى »، وعقد مؤتمرات وندوات وأمسيات شعرية وثقافية.. وكان الرئيس السادات يتفاعل مع معارضيه وينتقدهم فى خطاباته، مما جعل للسياسة صوتًا، وكثيرا ما وجه لخالد محيى الدين اتهامات وصلت إلى حد إشارات بالعمل للخارج.
واعتقل منهم كثيرين من التجمع فى حملة سبتمبر، خرجوا ليبدأوا عملا سياسيا سرعان ما أخذ منحى أقل وأضعف، صدرت الأهالى أوائل عام 1978 ، كانت
صحيفة تجمع اليساريين من مدارس مختلفة.. وكانت «تجمعًا » صحفيًا من نوع آخر.. كانت الأهالى دائمة التعرض للإغلاق والمصادرة.
بعد رحيل الرئيس السادات واصلت الأهالى صدورها بانتظام كل يوم أربعاء، وظل التجمع والعمل والوفد العائد بشكل مبشر فى منتصف الثمانينيات، لكن الأحوال اختلفت، مسخت المعارضة وخرج من التجمع من خرج إلى أحزاب ناصرية أو قومية، وحتى التجمع نفسه واجه الصراعات التى كادت تعصف به خاصة بعد اعتزال مؤسسه خالد محيى الدين، بعد خسارته فى انتخابات 2005 ، وتوقف عن العمل السياسى وعاش شيخوخته التى غادرها تاركًا بصماته كأحد
أهم السياسيين «التجمعيين » فى زمن التفرق والتفتت السياسى لليسار وغيره.