لا أفهم الكثير فى الاقتصاد، وبالطبع لا أجيد لغة الأرقام، وأحمد الله إن وجدت فى جيبى 10 جنيهات، وليس لى رصيد فى أى بنك، لكننى أشعر بالفخر كلما تذكرت قصة بنك مصر، الذى أسسه العظيم طلعت حرب فى سنة 1920 والذى تمر اليوم الذكرى الـ98 على تأسيسه.
لا أعرف كيف تدار الحسابات ولا ما الذى يحكم البنوك ولا قوانينها، لكننى أعرف جيدا أن رجلا وطنيا هو طلعت حرب «1867–1941» ومن ورائه شعب كامل فكروا كيف يصنعون شيئًا مفيدًا لوطنهم، ورغم أنهم يدركون تماما وجود التحديات بسبب المحتل البريطانى، إلا أن ذلك لم يمنعهم من التفكير فى اقتصاد وطنهم.
بدأت الفكرة عند طلعت حرب مبكرًا، وذلك عندما ألف كتاب «علاج مصر الاقتصادى وإنشاء بنك للمصريين» فى عام 1911، واستمرت الفكرة مطروحة تبحث عن متنفس حتى جاء عام 1919 وصارت المطالبة ببنك يخص المصريين مطلبًا شعبيًا تكتب عنه الصحف ويتبناه كبار الكتاب الذين لم يتركوه حتى تحقق.
تقول كتب التاريخ: إن البنك تأسس برأس مال 180 ألف جنيه، وتم تحديد قيمة السهم بأربعة جنيهات مصرية، وفى عام 1925 ارتفع رأس ماله إلى نصف مليون جنيه، ثم إلى مليون جنيه عام 1932.
ما يهمنا فى هذه القصة هو طلعت حرب نفسه، الذى كان شخصية شديدة الحيوية والديناميكية ينهض مبكرًا ويبدأ العمل فى السادسة صباحًا وظل يعمل لمدة خمس سنوات لمدة 15 ساعة يوميًا وبدون مقابل.
عن نفسى أرى أن قصة إنشاء بنك مصر بها أوجه متعددة على قدرة هذا الشعب على تحدى ظروفه، وعلى أنه إن اقتنع بفكرة ما لا يتركها حتى ينفذها، وأن مصر كانت حقا تجنى ثمار عصر نهضتها الفكرية، التى صنعها رجال بدايات القرن العشرين، وطبعًا ما نتج عن هذا البنك من اهتمامات متعلقة بالسينما والفنون وحتى بالجامعة المصرية كثيرة تدل فى مجملها على أن الأعمال الجيدة تتواصل وتتسع وتحقق نجاحات لا آخر لها.
أريد القول: إن بيننا آلافًا من أمثال طلعت حرب، ربما يحتاجون كلمة تشجيع، أو ظروفا تشجيعية يجب علينا منحهم إياهم، ليس فى مجال الاقتصاد فقط لكن فى الثقافة والفنون والاجتماع والسياسة، أى كل المجالات التى تصنع دولة لأن الأفكار المبتكرة والحلول القادمة من خارج الصندوق هى الأمل.