تولى القضاء فى عهد هارون الرشيد، اجتمع لديه ثلاث صفات هامة وهم العدل الشديد، ونصرة المظلومين وحب العلم، تلك الصفتان حينما تجتمع فى قاض ترفعانه إلى أعلى الدرجات، إنه القاضى عمر بن حبيب العدوى البصرى.
من بين المواقف القضائية التى تعرض لها القاضى عمر بن حبيب وتدل على عدم انحيازه للأمراء أو لأقاربهم أن رجلا ذات يوم شكى له من عم الخليفة الرشيد ويدعى عبد الصمد بن على، فطلب القاضى حضور "عبدالصمد" إليه فرفض الحضور لمجلس القضاء، فلم يصمت عن ذلك، ورفض التقاضى بعد ذلك.
ورفض القاضى "البصرى" لم هباءا حيث علم هارون الرشيد ذلك فأرسل إليه وسأله عن الذى يمنعه من الجلوس والتقاضى فقال له: تعدى على رجل ولم يحضر مجلسى، فسأله الحاكم قائلا: ومن هو، فرد عليه قائلا: عبد الصمد بن على، وكان عبد الصمد عم" هارون الرشيد"، فأقسم هارون على "عبدالصمد" أن يأتى لمجلسه حافيا.
"عبد الصمد" كان قد بلغ من العمر أرزله، حيث إنه أصبح شيخا كبيرا، ولا يستطيع المشى حافيا من قصره إلى مكان التقاضى وهو مسجد الرصافة، فبسط سجادا من قصره إليه، أراد أن يجلس بجواره ولا يجلس بجوار خصمه كأى متقاضيين، فغضب" البصرى " وصاح فيه طالبا منه أن يجلس بجوار خصمه إلا أنه رفض، ثم قبل بعد ذلك بعدما ألزمه القاضى بذلك وأنه لن يحكم فى الأمر إلا بعد أن يكون متساويا مع خصمه، وحكم القاضى لصالح الخصم ضد "عبدالصمد" فاستهزأ عم الخليفة بما حكم به القاضى وحكمه، حيث قال له: لقد حكمت علي بحكم لا يجاوز شحمة أذنك "وهى المنطقة الموجودة أسفل الأذن ويعلق بها الحلق"، فرد عليه القاضى قائلا: أما إنى قد طوقتك بطوق لا يفكه عنك الحدادون، وهذا يدل على مدى بلاغة القاضى أبو عمر.
الشيخ صالح محمد عبد الحميد عضو لجنة الفتوى بالأزهر، يقول إن القاضى عمر بن حبيب العدوى، يقول عرف عنه أنه كان قاضيا عادلا لا يخشى فى الله لومه لائم.
وأضاف، فى تفنيده لمواقف القاضى " العدوى" ، أن إصراره على حضور عم الأمير إلى ساحة القضاء يبرهن على عظمة هذه الشخصية، كما أنه أصر علي مساواته بخصمه، وأن لا يحابيه بسبب قرابته من الأمير هارون الرشيد، مشيرا إلى أن هذا يوضح عظمة القضاء فى الإسلام ، وأنه يقوم على ضوابط وأسس عظيمة، حيث أن القاضى من خشيته وتقواه لله عز وجل رفض رفضا قاطعا عدم حضور عم الأمير إلى مجلسه حتى لايشعر أنه قد ظلم خصمه بمجاملة الأمير وعمه .
وتابع،" القاضى عمر بن حبيب العدوى سار علي نهج النبى وسنته، فالنبى لما سرقت المرأة المخزومية وكانت من ذا شرف وحسب، وجاء سيدنا أسامة بن زيد ليشفع لها عند النبى قبل أن يطبق النبى حكم القضاء فيها بما أنزل الله لما جاء أسامة ليشفع لها، غضب النبى غضبا شديدا، واحمر وجهه، وقال اتشفع فى حد من حدود الله ؟!، والله يا أسامة لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها، فهكذا سار القاضي العدوى فلم يجامل ولم يحابي أحدا فى قضائه، ولم يشفع للرجل قربه، ومكانته من الأمير وحاكم المسلمين هارون الرشيد".
وفند "عبد الحميد"، الموقف الثانى للقاضى ومساواته بين الخصوم فى مجلسه وإصراره على ذلك، حيث أصر بعد أن حضر الخصم وعم الأمير ان يسوى بينه وبين خصمه وان لا يجامل عم الامير على حساب خصمه، كأى متقاضيين فالزمه القاضي بالجلوس متساويا مع خصمه وان لا يتميز عليه بشى بسبب قربه من الأمير والخليفة هارون الرشيد، موضحا أن موفق القاضي عظيم يبرهن على اخلاصه وتقواه لله وخشيته منه، مشيرا إلى أنه مثل موقف القاضى "شريح" الذى تخاصما إليه سيدنا على بن ابى طالب واليهودى فى أمر الدرع، وكان الدرع درع سيدنا على، وادعاه اليهودى كذبا، ومع ذلك لما تخاصما عند القاضي "شريح" سوى بينهما فى الجلوس، بل وحكم بالدرع لليهودى، لأن البراهين كانت مع اليهودى، واندهش اليهودى من قاضى المسلمين شريح كيف به يسوى بينه وبين أمير المؤمنين فى المجلس، بل ويحكم لليهودى على أمير المؤمنين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة