لم يكن الأستاذ الدكتور عصام الدين بهى، مجرد شخص عابر، ألقى رحاله فى هذه الحياة قليلا من الوقت ومر، بل هو حاضر لا يغيب أبدا، وحتى الآن كلما رأيت روحا جميلة فى مكان قلت هذا بعض أثر عصام بهى فى الحياة.
عليك أن تعرف بداية أنك لو التقيت عصام بهى حتما ستتغير حياتك كلها، لأنك ستظل تسأل نفسك كيف يحتفظ هذا الرجل بكل هذه البساطة ويرفض التنازل عنها، وكيف ينظر إلى الأشياء فى حجمها الطبيعى، لا يمنحها أكثر مما تستحق، أتذكر عندما التقيته فى المرة الأولى كنت مثقل القلب بعض الشىء، ذهبت للتقدم إلى الدراسات العليا لدراسة الماجستير، وأخبرتنى الموظفة بوجوب موافقة رئيس قسم اللغة العربية، وعندما طرقت الباب ودخلت عليه، كان يعيد ترتيب مكتبه، فالتفت إلى وقال «قبلناك» وضحك.
بالنسبة إلىّ لم تكن مجرد «ضحكة»، بل كانت بابا جديدا يتفتح أمام ناظرى، ويجعلنى أعيد حسابات نفسى بعض الشىء، صرت مفتونا به، بطريقته فى الجلوس التى تدل على «أريحيته» بتبسطه فى الشرح، حتى أنه حكى لنا مناهج النقد الأدبى من انطباعيتها إلى ما بعد حداثيتها كأنها قصة جميلة لطريقة تفكير، فلم يقلل من قيمة النقاد أو يؤله ما يفعلون.
كانت لعصام بهى خصوصية لا تنسى فى كل شىء فى ملبسه البسيط الأنيق وفى هيئته الجسمانية، طويل أسمر بملامح وجه مرسومة بعناية، تظنه صعيديا قبل أن تكتشف أنه من «الخصوص» قليوبية، فيحكى لك عندما كانت هذه المنطقة قرية جميلة مزروعة قبل أن يفترسها الطريق الدائرى ويشوه ملامحها، لكنه لا يحكى فى حزن بل فى شجن جميل، فتختار ذاكرته أجمل الأشياء من طفولته وشبابه ويحكى.
كان حضور عصام بهى طاغيا بمعنى الكلمة، ننتظر مجيئه ومحاضراته، ونذهب إليه فى مكتبه لنسأله، وهو دائما موجود لا يرفضنا ولا يستنكر وجودنا، بل يأخذ بأيدينا ويشاركنا كل شىء، يعاملنا على أساس أننا نفهم ما يقوله وينتظر رأينا فيه، ونحن نكتفى بهمهمات، تدل على سعادتنا لتقديره لنا.
نعم هذه هى الكلمة الصحيحة «تقديره لنا» فهذا الشعور الذى كان يصلنا من تصرفات عصام بهى هو جوهر علاقته بنا، وحينها نحرص نحن على إظهار حبنا وتقديرنا العظيم له.
واستمرارا لطبيعته البسيطة قرر عصام بهى الرحيل، فجأة، وهو فى كامل شبابه وعنفوانه، كان فى الجامعة فى شهر يوليو الحزين، عاد إلى بيته ومات، لكن الأمر طبعا لم ينته عند هذه الحد، فرغم رحيله المفجع سيظل عصام بهى ملهما لى فى كل شىء، خاصة فى رؤيته للحياة.