إن كان معروفا أن مؤسس الجامع الأزهر هو القائد جوهر الصقلى فى القرن الرابع الهجرى، فإنه من الواجب أن يعرف العالم كله أن الإمام محمد حسن المراغى هو المؤسس الثانى لهذا الجامع، الجامعة لما سنه من قوانين أحدثت طفرة فى حياة الأزهر، ولما بذل من مجهودات خارقة ليتبوأ الأزهر مكانته التى نفتخر بها الآن، وإن كان بعض الناس يلومون الإمام الكبير من باب المحبة على قلة كتبه، فحسبه أنه بسياسته الإصلاحية الواعية ومواقفه الإسلامية الوطنية الكبيرة، ومنهجه العقلى والروحى الملتزم بتعاليم كتاب الله وسنة رسوله الكريم قد أنتج عشرات، بل إن شئت قل مئات من الموسوعات والكتب والبحوث منتشرة فى عقول أبنائه فى مصر والعالم العربى والإسلامى، دون أن ينقص ذلك من أهمية كتبه وأبحاثه القليلة عددا والكبيرة قيمة وتأثيرا.
هو محمد مصطفى محمد عبدالمنعم المراغى، ابن محافظة سوهاج المولود فى ربيع العام 1881م، والذى صار بعد ذلك أحد أهم أعلام مصر والعالم الإسلامى وأحد أهم من شكلوا قوانينها ومسارها التشريعى والفقهى والوطنى، شاء له القدر أن يولد لأب يحب العلم والثقافة والتبحر فى شؤون الدين، فورث ابنه هذا الحلم وعمل على تحقيقه، وحينما ظهرت نجابته فأرسله أبوه إلى الأزهر ليكمل تعليمه فيه، وفى الأزهر كان لقاؤه بالإمام محمد عبده إمام المصلحين وصاحب المدرسة الفقيهة الشهيرة التى تعرف باسم «المدرسة العبدية»، فرأى فى الأستاذ تمسكا بالدين وحرصا على إحياء علومه وتجديد نهضته، وعرف منه أن الله لم يضع الإسلام حجرا فى طريق النهضة بل أساسا لها، وأيقن من أن الله فى كل شىء صالح وفى كل عمل طيب، فمضى يبحث عن الله فى كل شىء خلقه، وكأنه فى رحلة عشق إلهى متجدد.
ولك أن تتعجب من وجهة نظر الإمام المراغى التى ساقها اعتراضا على ما يسمى بالإعجاز العلمى فى القرآن الكريم، فقد قال رحمه الله: «إنه كلما حدثت فى العالم فكرة طريفة اجتهد البعض أن يلتمسها فى القرآن، وفرحوا إن استطاعوا الاهتداء إلى إشارة بعيدة إليها، يفعلون هذا فى جميع النظريات المرتبطة بالكون وأسراره ، وقواعد الاجتماع والسياسة، ولكن من حقهم أو يفهموا أن المعارف البشرية غير مستقرة، وأنها تتغير ويتجدد بدلا منها معارف أخرى تختلف عنها أو تناقضها، وأنه ليس من الحكمة أن نربط هذه المعارف غير القارة أى غير المستقرة بكتاب الله الثابت الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ومن الخير أن ندع كتاب الله يقرر لنا أحكام التشريع ويهدم الوثنية من أصولها، ويرفع العقل البشرى إلى المستوى اللائق به، ويأخذ بيد الإنسان إلى المقام الأسمى اللائق بخلافته فى الأرض، ويبين لنا العبرة والعظة بأحوال الماضى، ويغرس فى نفوسنا تلك الأخلاق الفاضلة من الصبر والشجاعة والقناعة والرضا، ويفتح أمامنا أبواب العلم والهداية بما أشار إليه من وجوب النظر فيما صنعه الله، خير لنا أن نفعل ذلك وندع العلماء يقررون معارفهم ويستدلون عليها، ويحملون نتيجة خطئهم إذا تغيرت معارفهم، وأثبت العلم نقيضها، فليس القرآن الكريم كتاب حساب وفلك وطبيعة، وإنما هو كتاب هداية وتنظيم لعلاقة الإنسان بربه، وعلاقة أفراد الناس بعضهم ببعض».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة