منذ إعلان تشكيل الحكومة الجديدة، طبيعى أن تكون هناك تساؤلات عن الفرق بين حكومة المهندس شريف إسماعيل، وحكومة المهندس مصطفى مدبولى، وكلاهما من نفس الحكومة، وعملا معا فى حكومة المهندس إبراهيم محلب.
خلال عقود كان الاقتصاد هو المركز الأساسى لعمل الحكومات المختلفة منذ الثمانينيات، وأغلب، إن لم يكن كل رؤساء الوزارات كانوا اقتصاديين، وظل الحديث عن الفرق بين الحكومة السياسية وحكومة التكنوقراط قائما، وهل هناك حاجة إلى السياسة فى عمل الحكومة، بوصفها الوسيلة التى تتيح الفرصة للمناقشات والحوارات حول صحة ما هو متبع من سياسات أو خطوات حكومية، وهل يمكن أن تكون السياسة قادرة على امتصاص المنافسات المتعلقة بالعمل فى ملفات مختلفة.
هناك ملفات مهمة تحتاج إلى فتحها، والعمل بها بشكل أكبر فى حكومة المهندس مصطفى مدبولى، من مجرد عمل وزارى، وعلى سبيل المثال ملف الصحة والعلاج والدواء، وملف التعليم الأساسى والتعليم العالى، ثم يأتى ملف الإدارة والمحليات ليصل أهم ملف لم تتحقق فيه أى خطوات للأمام طوال الفترات السابقة.
فيما يتعلق بملف التعليم فإن استمرار الدكتور طارق شوقى فى وزارة التربية والتعليم والتعليم الفنى، يعنى البدء فى تطبيق النظام الجديد للتعليم من العام الدراسى الجديد، وما تزال هناك العديد من النقاط فيما يتعلق بهذا النظام الجديد ظهرت فى مناقشات سريعة خلال الفترات الماضية حول مكان اللغة العربية واللغات الأجنبية، ومصير المدارس اليابانية، ومدى التغيير فى المدارس التجريبية والخاصة، وكلها نقاط بحاجة إلى استكمال وتوضيح يخرجها من المناقشات الضيقة والمتعجلة، وحسب ما هو معلن عن نظام التعليم الجديد أنه نظام يقوم على الاستمرارية ولا يرتبط بوزير أو مسؤول، وبالتالى ربما يكون هناك حاجة إلى وجود مجلس يدير هذا النظام وأرشيف يسجل ما يتم منه خطوة وراء أخرى، حتى لا نعود إلى الطريقة السابقة التى كانت تتعامل بالقطعة والتجريب العشوائى الذى انتهى بما هو جارٍ للتعليم حاليا.
النظام الجديد للتعليم إذا بدأ مع العام الدراسى الجديد فلن تظهر نتائجه قبل سنوات قد تصل إلى عشرة، وسوف يحتاج إنفاقا ضخما، وتعديلات فى المناهج والامتحانات وطرق التدريس، وفى أحوال المعلمين المادية والتربوية، وهو ما يعنى الحاجة إلى تغيير عقل الإدارة الحالية للعملية التعليمة.
ومثل ملف التعليم، يأتى ملف الصحة والعلاج على رأس الملفات الأكثر إلحاحا، ومع تعيين وزيرة جديدة للصحة ينتظر أن يحدث تحول كمى ونوعى فى نظام العلاج وأحوال المستشفيات والأطباء والتمريض والدواء، خاصة فى المنشآت الصحية العامة، وأيضا الخاصة التى لا يمكن التعامل معها باعتبارها جاهزة لتطبيق نظام التأمين الصحى الجديد الذى من المفترض أن يبدأ تطبيقه فى شهر سبتمبر المقبل، ولا يمكن القول إن المنشآت الطبية جاهزة لتطبيق أى نوع من الرعاية الصحية.
ملف الصحة بحاجة إلى إعادة نظر كاملة فى إدارته، وأيضا فى الإنفاق عليه وموازنات الصحة والعلاج التى تعانى من تقلص ونقص، لكنها تعانى أكثر من الإهدار والثغرات التى تنفذ منها الموازنات.
وقبل أن نتحدث فى تطبيق قانون التأمين الصحى الشامل، علينا أن نتعامل مع الملف الصحى الحالى، خاصة أن تطبيق التأمين الصحى سوف يبدأ فقط فى محافظات القناة، وهناك محافظات أخرى سوف تنتظر لعشر سنوات وأكثر، وبالتالى فإن تطوير المنشآت الطبية والمستشفيات العامة والمركزية هو أمر ضرورى، لا ينتظر تطبيق التأمين الصحى الشامل.
ثم إن التطوير فى المنشآت الطبية يتطلب تغييرا جذريا فى نظم الإدارة الطبية، لأن نظام الإدارة الحالى لا يتناسب مع أى نظام صحى، وحتى نظام العلاج على نفقة الدولة والمعمول به من التسعينيات لم يعد مناسبا للتطبيق أو لتلبية حاجات المواطنين المرضى خاصة غير القادرين.
وهنا يأتى الملف الأهم والأكثر إلحاحا وخطورة، وهو ملف المحليات، مركز أى تغيير أو تطوير فى أى ملفات أخرى، وخلال السنوات الأخيرة تغير وزراء للمحليات وكل منهم تحدث عن قانون جديد للإدارة المحلية، أو عن المجلس الشعبية المحلية، لكن ظل الملف مجمدا ومزدحما بالتفاصيل التى تجعل المحليات أوكاراً للبيروقراطية والفساد.
لقد كان الحديث من السبعينيات يدور عما سمى «الثورة الإدارية» والتغيير الشامل ومواجهة البيروقراطية، لكنها جهود انتهت دوما إلى فراغ، وفى إدراج الحكوات المختلفة كانت هناك مشروعات لتغيير الإدارة الحكومية، لكنها ظلت مجرد أفكار نظرية لم تتطور أو تطبق، بل إن القانون الجديد للوظيفة العامة لم يطبق حتى الآن ولم يظهر أى فرق فى الأداء الحكومى.
من هنا فإن حكومة المهندس مصطفى مدبولى، عليها عبء إنجاز ملف المحليات بعيدا عن الوعود السابقة، مع الأخذ فى الاعتبار أن المحليات هى الملف الأهم وإذا تم تغييره، يمكن تغيير باقى الملفات، وطالما ظل ملف المحليات على حاله لا يمكن توقع تغيير فى الصحة أو التعليم أو باقى الملفات.
ويتحدد تقييم الحكومة الجديدة بمدى ما سوف تنجزه فى هذه الملفات المهمة، دون إهمال لملفات الرقابة والمتابعة، لكن الأهم أن يبدأ المواطنون فى الشعور بوجود ثمار لكل الإجراءات الاقتصادية الصعبة التى تمت وماتزال.