كل عام والمصريون والعرب والمسلمون وكل الإنسانية بخير بمناسبة عيد الفطر المبارك، على الرغم من المتاجرين من هنا وهناك، الذين يريدون ويسعون إلى تأجيج الصراع الدينى والطائفى بعيدًا عن مقاصد الأديان العليا التى تجمع البشر جميعًا والمؤمنين بالإله الواحد.
اعتدنا جميعًا على الربط بين شهر رمضان وكثير من الطقوس والعادات المصرية التى أصبحت تمثل جزءًا من الهوية المصرية التى تميزت وتفردت بها مصر كعادتها دائمًا، ومن هذه العادات إنتاج هذا الكم من المسلسلات الدرامية التى تشغل الوقت حتى أصبح رمضان دون باقى العام هو شهر الصيام والمسلسلات.
ومسلسلات هذا العام سيطر عليها بشكل عام العنف والقتل وقضية الإرهاب وإبراز دور الشرطة فى هذا المجال مع بعض المسلسلات الاجتماعية التى أظهرت وركزت على تعاطى المخدرات، وكان هناك القليل من المسلسلات الكوميدية وبعض المسلسلات التى حافظت على الشكل الرومانسى الذى أصبحنا الآن نفتقده، وهذا لحساب مسلسلات العنف الذى يستهوى الشباب المتأثر بمعطيات الواقع، خاصة بعد الانفلات الأمنى بعد 25 يناير.
لا شك أن للفن دورًا هامًا ومهمًا على مدى التاريخ، حيث إن الفن هو مرآة الواقع، ولما كان الفنان قد ألهمه الله الموهبة والإبداع، وحيث إن المبدع يعيش فى المجتمع متأثرًا به راصدًا لمعطياته السلبية والإيجابية نرى من الطبيعى أن يعبر هذا الفن وذاك الإبداع عن الواقع لا نقلاً حرفيًا لهذا الواقع، ولكن يتم هذا فى إطار فنى وإبداعى، وتأثيرًا لفن هنا سواء كان سلبيًا أو إيجابيًا لا ينبغى أن نجعل منه الشماعة التى نعلق عليها غياب باقى الأدوار والتى من مهامها التأكيد الإيجابى والتربية السليمة لتنشئة مواطن صالح ومنتمٍ لهذا الوطن، لذلك فالفارق بين دون الفن وباقى الأدوار أن الفن من الصعب أن يوجه بشكل مباشر عن طريق توجيهات المبدع وبالأمر لأن يبدع ما هو مطلوب وبشكل مباشر، فهذا الأسلوب يحول الفن إلى وسيلة وعظية وشعاراتية تفقد مصداقية الإبداع وتسقط دور الفن الذى هو دور استخلاصى يختلف من متلقٍّ لآخر وليس دورًا توجيهيًا، وهنا لا أقصد ما يسمى بمدرسة الفن للفن التى هى نتاج المجتمعات البرجوازية التى تتوافق مع شعار الرأسمالية «دعه يعمل دعه يمر».. وليس بالضرورة أن يكون البديل المدرسة الواقعية الاشتراكية التى تتأثر بالمجتمع وتصور الواقع، وذلك لأننا مازلنا نعيش فى حالة ازدواجية اقتصادية ومجتمعية، فهناك مشاكل اقتصادية حاكمة تحملت خلالها الطبقات الفقيرة ما تحملته حتى إن الرئيس السيسى يقدر هذا دائمًا، ويشيد به فى الوقت الذى تمارس فيه أعلى درجات المجتمع الاستهلاكى الذى لا يتوافق مع المعطيات الاقتصادية، ونرى ذلك فى هذه المبالغة المرفوضة فى الإعلانات التى تخلق حالة استهلاكية تضرب جذور الاقتصاد فى مقتل، ناهيك عن حالة الاغتراب النفسى والاقتصادى والانتمائى للمواطن غير القادر على هذه الممارسات الاستهلاكية حتى إننا نشاهد مع موسم المسلسلات الرمضانى مسلسل الإعلانات التى لا نعرف أنها تسعى لسد حاجة الفقير والمريض أم أنها تتاجر بهم لصالح طبقة عليا لا تعرف غير مجتمع الكمبوندات.
أما المسلسلات فلم أتابع ولم يشدنى غير مسلسل عوالم خفية تأليف ورشة من الشباب الواعد بمستقبل درامى مأمول، وهم أمين جمال ومحمود حمدان ومحمد محرز.
والمسلسل الآخر هو «لدينا أقوال أخرى» من ورشة تضم المرحوم عبدالله حسن صاحب الفكرة مع أمين جمال وإبراهيم محسن وخالد أبوبكر وما جعلنى أتابع هذين المسلسلين هو أنهما يرصدان ويتحدثان ويحاربان ويكشفان حالة فساد خطيرة أصبحت تمرح فى المجتمع بكل حرية بلا رابط ولا ضابط، فالفساد هو الآفة الخطيرة التى لا تقل خطورة عن الإرهاب، حيث إن الفساد لا يضر الوطن والمواطن فحسب، ولكنه والأخطر أنه يضرب مجموعة القيم ويهدم الأخلاقيات ويبيح كل الأشياء ويحل كل المحرمات ويقتل الضمير ويعلم الرياء ويكرس النفاق، ولذلك نجد أن السيسى يضع محاربة الفساد على أولويات أجندة الدورة الثانية من الرئاسة، فالقضاء على الفساد وكشفه ومحاربته هو الطريق إلى الانتماء لهذا الوطن.
فشاهدنا فى مسلسل عوالم خفية عودة للنجم عادل إمام مرة أخرى بعيدًا عن الإفيهات العادلية التقليدية فى شخصية الصحفى الذى يكشف الفساد ويحاربه ويتحمل ثمن هذه المحاربة، فعادل إمام فى «عوالم خفية» هو نقلة بعيدة عن مسلسلات الأعوام السابقة، وهذا يؤكد ذكاء عادل الذى جعله يستمر حتى الآن حتى إنه يتعامل مع شباب واعد أثبت وجوده، ومن الواضح أنه سيثبت وجوده فى المستقبل، رأينا كشف حالات فساد فى التعليم وفساد فى الوسط الفنى والانتخابات الرئاسية ودور الأيتام والاتجار بالأعضاء والصحة والإرهاب والمتاجرة بالدين، ولذا فهذا المسلسل رصد الواقع وحارب الفساد، وهنا نقول إن الفن يلعب دورًا مجتمعيًا وأخلاقيًا لصالح الوطن والمواطن.
أما مسلسل لدينا أقوال أخرى فقد تألقت الفنانة يسرا كعادتها فى تجسيد الشخصية صاحبة الإرادة المتمسكة بالمبدأ، والتى على الرغم من إدانتها والحكم عليها بالإعدام استطاعت كشف حالة ونموذج للفساد فى قطاع الإعلام والأعمال، حيث إن هذين المجالين هما الباب الخلفى لكثير من أبواب الفساد التى نراها، فهناك رجال أعمال يملكون وسائل إعلامية ليس للقيام بدور تثقيفى أو تنويرى لصالح الوطن، ولكن بهدف استغلال الوسيلة للضغط كل الوقت وللمجاملة بعض الوقت.
سيظل الفن له دوره المقدر مع باقى المؤسسات لخلق حالة وعى حقيقى يجعل المواطن يمتلك الرؤية السياسية للمساهمة فى بناء الوطن وفى محاربة الفساد، حيث إن العائد سيكون لمصر ولكل المصريين وحتى تكون بحق مصر وطنًا لكل المصريين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة