عندما أعلن مهاتير محمد، رئيس وزراء ماليزيا، وصاحب الـ92 ربيعا، عن تدشين حملة لمكافحة الفساد، وألقى القبض على عدد من المسؤولين المتورطين بتقاضى رشاوى وخلافه، خرج الإخوان فى مصر وتركيا وقطر وتونس، يهللون للقرار، ويعتبرونه بطلا قوميا وفارسا جسورا فى معركة الفساد.
وتناسى الإخوان فى زحمة الاحتفاء بـ«عودة» مهاتير محمد «للحياة» السياسية، أن الرجل يبلغ من العمر 92 عاما، وسقط من قاموسهم، مصطلح «الشباب» والدفع بهم فى سدة الحكم، ومنحهم فرصة القيادة، وهى النغمة التى ابتزوا بها المؤسسات الرسمية، والدولة، والشعب المطحون أيضا منذ اندلاع سرطان 25 يناير 2011 ومستمرة حتى الآن!!
وعندما قرر الرئيس عبدالفتاح السيسى تدشين حملة لمكافحة الفساد، مع بداية حكمه، ومطاردة المفسدين والمرتشين مهما كانت مناصبهما، فوجئنا بالإخوان فى مصر وتركيا وقطر، يرددون قولا مأثورا: «إذا كان رب البيت بالدف»!!
الرئيس عبدالفتاح السيسى، بدأ حكمه، بحرب التطهير، وأعطى الضوء الأخضر للأجهزة الرقابية، وفى القلب منها هيئة الرقابة الإدارية، لخوض المعركة ضد الفساد، دون النظر لمنصب المفسد، فرأينا وزيرا يتم القبض عليه فى ميدان التحرير، ومحافظا استغل منصبه لتحقيق ثروة طائلة، ومستشارا مهما فى هيئة قضائية كبرى، ومسؤولين كبار فى مختلف الإدارات والهيئات بالوزارات المختلفة، وكان آخرها خلال الساعات القليلة الماضية عندما إلقى القبض على رئيس الشركة القابضة للصناعات الغذائية ومدير مكتبه، ومستشار وزير التموين للإعلام والمتحدث الرسمى للوزارة، ومستشار الوزير للاتصال السياسى بمجلس النواب داخل مقر وزارة التموين، لتقاضيهم رشاوى مالية تجاوزت المليونى جنيه من كبرى شركات توريد السلع الغذائية مقابل إسناد أوامر توريد السلع عليها، وتسهيل صرف مستحقاتها.
هنا تتكشف مدى ما وصلت إليه الجماعة الإرهابية وأتباعهم والمتعاطفون معهم من انحطاط أخلاقى ووطنى، وغباء سياسى لا مثيل له، وأن وتيرة استحواذ الجماعة وأتباعها المتدثرين بعباءة المعارضة الثورية، على الانحطاط والغباء السياسى، تتسارع بشكل لافت يوما بعد يوم، دون الوضع فى الاعتبار أن هذه الجماعة وأتباعها يمكن لهم يوما أن يجدوا ولو «مدق» ضيق ومتعرج يسلكونه وصولا إلى طريق العودة لحضن الوطن، فحينها يكون حمول الخطايا أقل، ويمكن قبوله.
وفى هذا الشآن يقول الروائى الفرنسى الأشهر: «ميلان كونديرا»، والمنتمى إلى تيار اليسار: «لا شىء أسخف من أن يسعى المرء إلى إثبات شىء للأغبياء».. من هنا يتضح أن الغباء السياسى والحزبى مشكلة حقيقية فى مصر!!
وبجانب ملف الغباء السياسى الذى سيواجهه الرئيس بعد أدائه اليمين الدستورية أمام مجلس النواب اليوم السبت 20 يونيو 2018، فى ولاية ثانية، وفى حدث غاب عن العيون منذ 2005 وحتى اليوم، فإن هناك ملف أكثر خطورة سيواجهه وهو «الفساد»!
نعم، الفساد هو التحدى الأكبر للرئيس السيسى فى ولايته الثانية، ولا يمكن أن نكون متجاوزين، إذ أكدنا أن الفساد هو الوريث الشرعى للإرهاب، وليس مستبعداً أن تكون مراكز نفوذ اقتصادية وسياسية تجد فى الإرهاب فرصة للتغطية على ممارساتها وسلوكها المستنزف للموارد، ومحاولة إضعاف الحكم والإدارة، وشل حركة التنمية لصالح جماعات وتحالفات من النفوذ والبيزنس، وهو ما تحذر منه تقارير التنمية العالمية والدراسات المتخصصة فى هذا الصدد.
وتشير التقارير الدولية حول الفساد إلى أن الرشاوى تُستخدم على نطاق واسع للحصول على منافع أكبر، من خلال انتهاك القوانين، واستصدار رخص العمل والتجارة، واستخدام المرافق والموارد العامة، والتهرب من الضرائب، وانتهاك قوانين حماية البيئة، ومنح الحصانة للجريمة المنظمة.
والفساد الذى يضرب جذوره فى عمق الطبقات العليا للموظفين يمكن أن يؤدى إلى حدوث تشوهات خطيرة فى طريقة عمل المجتمع والدولة؛ فالدولة تدفع الكثير من النفقات مقابل تدابير ضخمة لا تحصل من ورائها إلا على القليل، بينما الامتيازات الكبيرة تذهب إلى جيوب المرتشين والفسدة.
والفساد يولد الفساد، وينشئ شبكة معقدة من الرشاوى والأنظمة الفاسدة متعددة المستويات، لذلك فإنه من الضرورى التوجّه للإصلاح ومكافحة الفساد ونقله من خانة المكافحة الفردية، إلى خانة الحرب والمكافحة العامة والشاملة، وحذر المتخصّصون فى التنمية من أن التركيز على نهج سياسة الاقتصاديات الكبرى ومشاريع البنية التحتية لن تؤتى ثمارها وانعكاساتها الإيجابية، إلا بمكافحة الفساد وتطهير الجهاز الإدارى تطهيرا شاملا، والقضاء على البيروقراطية والتشريعات المعطلة، التى تمكن الموظفين البيروقراطيين من الانحراف، وتقنين الرشاوى..!!
أداء الرئيس عبدالفتاح السيسى لليمين الدستورية اليوم، حدث بالغ الأهمية، ورسالة تطمينية للعالم، أن مصر تشهد استقرارا سياسيا جوهريا، وأن مؤسساتها اكتملت وتعافت وتمارس دورها بقوة، وانعكاس ذلك على أمن واستقرار الوطن، بجانب ما تنفذه الدولة من مشروعات اقتصادية جبارة، ستنقل البلاد إلى خانة الدولة المتطورة اقتصاديا، والمستقرة سياسيا، وأن الشعب اختار استكمال مسيرته الإصلاحية والتنموية، والحرب على الفساد، والغباء السياسى والحزبى!!