لم تكن مصر تستطيع أن تعبر أزماتها الاقتصادية التى سببتها أحداث ما بعد 25 يناير 2011، وتراكمات ما قبل هذا التاريخ من أخطاء السياسات الاقتصادية السابقة، بدون الاعتماد على القروض الخارجية لعلاج الخلل فى عجز الموازنة، والحفاظ على قدرة الدولة فى مجال البنية التحتية والصيانة وتقديم الخدمات للمواطنين.
القروض الخارجية شكلت مسارا حتميا لا مفر منه، ولا بديل عنه، ويعرف كل من تابع تطورات مراحل الإصلاح للاقتصاد المصرى منذ 2014 كيف دخلت أموال القروض فى شرايين الاقتصاد من خلال مشروعات عملاقة، واستثمارات عامة، وكيف حرصت الدولة المصرية أن توجه جزءا كبيرا من هذه الأموال للاستثمارات العامة، وهو أمر أدهش العالم فى الحقيقة، فقد تصورت المؤسسات الاقتصادية العالمية أن مصر ستوجه القروض لعلاج العجز فى الموازنة، ولن تجرؤ على الاستمرار فى الاستثمار العام، لكن على عكس كل التوقعات، استطاعت الدولة المصرية أن ترفع حجم الاستثمار العام فى البلاد بنسبة %46، فبعد أن كان إجمالى الاستثمارات العام يصل إلى 65 مليار جنيه سنويا، تم رفع هذا الرقم إلى 100 مليار جنيه سنويا، وهو أمر مدهش فى مرحلة نعتمد فيها على القروض الخارجية لتمويل عجز الموازنة.
القروض ليست عيبا فى ذاته، إذن القروض تصير عيبا إذا كنا ننفقها على الاستهلاك دون أن نضمن معدلات آمنة للنمو الاقتصادى فى مصر، القروض قد تكون عيبا لو أنها ذهبت سدى فى مصارف غير صحيحة، لكن الشاهد أمامنا أن أموال القروض ذهبت فى الاتجاه الصحيح، وأن الدولة سعت لمعالجة عجز الموازنة، فى نفس الوقت الذى عملت فيه على رفع نسب النمو من قطاعات مختلفة فى الاقتصاد، سياحة وصناعة وثروات وغيرها من القطاعات، كما عملت أيضا على اقتحام مجال الاستثمار لتشجيع المستثمرين من القطاع الخاص على العمل والتصنيع والتصدير والاستثمار فى شتى المجالات فى مصر.
القروض أثمرت إصلاحا إذن..
والقروض تحولت استثمارات إذن
لكنها بكل تأكيد قروض هائلة، فهل وصلت هذه القروض إلى معدلات غير آمنة، وهل يستطيع الاقتصاد المصرى تحمل التكلفة الهائلة لأعباء الدين أم لا؟
هذا بالطبع هو السؤال الأهم، وقد طرحته على مسؤول رفيع المستوى من الحكومة المصرية وكانت الإجابة كالتالى:
أولا: الحدود غير الآمنة عندما تصل خدمة الدين لأكثر من %40 من الناتج القومى للبلد، ونحن بعيدون جدا عن ذلك، وأعباء خدمة الدين لم تصل أبدا إلى هذا الرقم والحمد لله.
ثانيا: المسارات التى توجهت إليها هذه القروض جعلتها أموالا منتجة، وليست أموالا مهدرة، ومن ثم فإن هذه القروض تحولت إلى أصول ثابتة، واستثمارات كبيرة، وهو ما يشجع العالم على النظر بإيجابية للاقتصاد المصرى، والاطمئنان إلى قدرة هذا الاقتصاد على تحمل أعبائه وبناء البلد بجدية وبصبر، وبروح قتالية.
ثالثا: إن معدلات النمو الاقتصادى التى وصلت إلى %5.4 تقريبا تأتى من مصادر متنوعة، ولا تعتمد على مصدر واحد، فالاعتماد على السياحة «منفردة» مثلا قد يؤدى إلى نتائج سلبية فى حالة ما إذا تعرض أى من المواسم السياحية للتراجع بسبب أحداث المنطقة، لكن النمو الحالى فى الاقتصاد المصرى يرتفع من مصادر متعددة، وهو ما يشكل عنصرا آمنا لنا فى الداخل، كما يمثل ركنا أساسيا فى قدرة الاقتصاد المصرى على تحمل أعباء الدين من مصادر مختلفة، وبكفاءة وانتظام كبيرين.
رابعا: قدرة الدولة المصرية على تنفيذ برنامج الإصلاح، والوعى السائد بين المواطنين حول هذا البرنامج وأهميته، وهو نقطة مهمة، إذ إن سياسة تصحيح أسعار الوقود والكهرباء ووسائل النقل العامة، ترفع عن كاهل الدولة صخرة كبيرة كانت تهدر مليارات الجنيهات عبثا، وكانت الأنظمة السابقة تقترض لسد هذا العجز دون إدراك لخطورته على الاقتصاد المصرى، وعلى مستقبل البلد بالكامل، لكن سياسات تصحيح الأسعار، وتوجيه الدعم لمستحقيه بالفعل، سيؤدى إلى وقف نزيف هائل فى الموازنة العامة، وسيمكن الدولة المصرية من أن تسدد ديونها، وتتوسع فى مجال الاستثمارات العامة وتوفير فرص العمل، ورفع مستوى الخدمات للمواطنين، وهو الإنجاز الأكبر والأهم الذى تحتاجه مصر الآن.
الإجابة، نحن قادرون بإذن الله..
مادام استقر وعينا، وتعاهدنا على غاية وحدها..
هى مصر..
تبقى مصر من وراء القصد.
اللهم خفف عنا.
اليوم السابع