هكذا مرت السنوات طويلة ومرهقة، لو أن طفلًا ولد هذا اليوم فى الثالث والعشرين من يوليو عام 1952 لصار عمره 66 عامًا الشهر المقبل فى ذكرى الثورة، أتصور لو أن هذا الطفل روى قصة حياة والديه اللذين كانا فى عمر الشباب حين وقعت الثورة، وتزوجا بينما كان الملك على رأس الحكم، وكانت رائحة حريق القاهرة لا تزال تملأ شوارع وسط البلد، ثم روى طفولته فى التعليم المجانى، وسنوات التأميم والاشتراكية، ثم قارن بين تعليمه وتعليم والديه، والفرص التى حصل عليها هو حين بلغ سن العمل، مقابل الفرص التى حصل عليها والداه من قبل، ترى ماذا سيروى هذا الرجل اليوم؟.
66 عامًا على أمة بدأت رحلتها فى التنمية مع اليابان وقبل كوريا الجنوبية، وصل البلدان إلى أعظم معدلات النمو الاقتصادى رغم أن الحروب سحقتهما سحقًا، وأذلتهما بقسوة، بل وشطرت كوريا إلى نصفين، ترى لماذا عبرت كوريا واليابان، ولم يعبر هذا البلد الثائر الشاب القوى المؤمن العفى المكافح؟!.
ما الذى أخطأنا فيه خلال الستة والستين عامًا الماضية جعلتنا على رأس قائمة الفقر، وجعلت من بدأوا معنا الطريق فى صدارة الثراء والتصنيع والرفاهية؟!.
نحن نحتفل فى كل عام بثورة يوليو فرحًا بطرد الاحتلال، والاستقلال عن الاستعمار البريطانى، لكن عقولنا ترفض أن ندرس ما الذى أخطأنا فيه بعد ذلك، لماذا تعثرنا، ولماذا تورطنا فى صراعات لم يكن لمصر ناقة فيها أو جمل؟.
هل كان التأميم قرارًا صائبًا؟
هل كان الصراع فى اليمن قرارًا صحيحًا؟
كيف جرى تدمير صناعات كاملة حين سيطرت الدولة على الاقتصاد آنذاك؟
عقلنا العاطفى يرفض المناقشة الحرة لما جرى، نقدس ناصر الزعيم الذى حرر وطنًا كاملًا من الاحتلال، ونرفض أن نناقش ناصر الذى حكم وسيطر وأدار، ناصر الذى أسس الدولة العميقة، وبيروقراطية الموظفين، ناصر الذى صور للناس أنه هو من ينفق عليهم، ولا يزال قطاع من الشعب يتوهم ذلك، ويظن وهمًا أن الحكومة هى التى تنفق وتعمل وتدير وتدفع، وأننا جميعًا ضيوف على الحكومة وعليها رعايتنا، لا شعب يتحتم عليه اليقظة والعمل ويختار حكومة تدير شؤونه، وتنظم آليات عمله وإنتاجه.
ولا يزال من بيننا من يظن أن كل من يفتحون الباب لمناقشة أخطاء الماضى هم أعداء للثورة وللحرية، لا يزال من بيننا من يحفظ أغنيات الثورة عن ظهر قلب، ويعتبر هذا هو العصر الذهبى للوطنية، رغم أن الذين كتبوا هذه الأغانى انتحروا فيما بعد يأسًا وقهرًا حين تبدت أمامهم حقيقة ما جرى على أرض الواقع.
66 عامًا ورثنا بعدها أكبر جهاز حكومى على وجه الأرض.
66 عامًا ورثنا خلالها خللًا تعليميًّا مخيفًا، ومنظومة مجانية أنتجت جهلًا وإرهابًا، ولم تنتج فكرًا وإبداعًا.
66 عامًا ورثنا بعدها منظومة صرف صحى لا تغطى أكثر من %15 من البلد.
66 عامًا وورثنا وعيًا شعبيًّا يعتبر الحكومة «أبوه وأمه»، ومسؤولة عن تغيير حفاظات الأطفال.
66 عامًا ومازلنا نعيش على قناطر بنيت فى العصر الملكى، وشبكة رى من العصر الملكى.
الأنظمة التى حكمت ما بعد خمسينيات وستينيات الثورة حكمت وفق آليات الدولة الاشتراكية، ولم تتشجع على كسر عقدة العلاقة الأبوية بين الشعب والحكومة.
الآن ونحن على مقربة من الاحتفال بعيد الثورة يجب أن نعدل صورة عبدالناصر الزعيم عن عبدالناصر المدير، يبقى الزعيم فى قلوبنا حبيبًا ورمزًا، ويبقى المدير على مكاتبنا يخطئ ويصيب.
إن لم نعترف بأن كل ما نعانيه اليوم يمتد إلى قرارات الخمسينيات والستينيات فلن نصل إلى نتيجة، نحتاج لمراجعة وعينا الثقافى ومنظوماتنا الفكرية حتى نحتفظ بشجاعة القرارات السياسية والاقتصادية التى تقدم عليها مصر اليوم.
والله أعلى وأعلم
مصر من وراء القصد
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة