البدايات الجيدة، تعطى نتائج جيدة، نظرية لا يمكن الاختلاف عليها، وإذا وقفنا أمام بدايات المنتخب الوطنى لكرة القدم منذ مباراة الصعود لنهائيات كأس العالم بروسيا أمام منتخب الكونغو بالفوز عليه بهدفين مقابل هدف، وكان بشق الأنفس، ثم المباريات المتتالية ومنها الودية التى لم يفز فيها بمباراة واحدة، ثم «البدلة» الرسمية التى ارتداها اللاعبون، وكانت فضيحة بكل المقاييس، كلها كانت مؤشرات قوية، على أن المنتخب سيسطر فشلا كبيرا!!
وكانت الأحلام تداعب خيال المصريين، ثقة فى عدد من اللاعبين، وكيف لا يثق المصريون فى منتخبهم الذى يضم أحسن لاعب فى الدورى الإنجليزى، محمد صلاح، وأحسن لاعب فى الدورى اليونانى، عمرو وردة، ولاعبا من ضمن الصفوة فى الدورى التركى، محمود حسن تريزيجيه، بجانب محمد الننى الذى يلعب فى صفوف نادٍ كبير اسمه «الأرسنال»؟!
لكن يا فرحة ما تمت أخدها الغراب وطار، وتبين بالأداء فى الملعب وغياب الانضباط خارجه، وفى غرف نوم إقامة المنتخب، أن الاحتراف الخارجى كان نكبة للمنتخب، وأن هناك حالة نهم شديد مسيطر على اللاعبين لحصد المال والشهرة فقط، دون الوضع فى الاعتبار الحرص على المصلحة العامة للمنتخب، وأن الكرة فى مصر مصنع إنتاج السعادة!!
الدليل الواضح، على أن المحترفين المصريين توحش بداخلهم نهم حصد الأموال باليورو والدولار،هو أداء المنتخب الوطنى الذى حقق بلاعبين محليين انتصارات مدوية وفاز ببطولة الأمم الأفريقية ثلاث مرات متتالية، أعوام 2006 و2008 و2010 وهو إنجاز نادر التكرار، وكان المنتخب حينها لا يضم محترفين سوى أحمد حسن ومحمد زيدان، وكل قوامه من اللاعبين المحليين، وواجهوا منتخبات قوية تضم جيوشا جرارة من المحترفين فى أكبر الأندية الأوروبية مثل منتخبات الكاميرون وساحل العاج والسنغال والجزائر وتونس والمغرب، ومع ذلك تمكن أولاد مصر من كتيبة المحليين، من قهر هذه المنتخبات وانتزاع اللقب القارى الأكبر والأهم 3 مرات متتالية!!
حينذاك، ونظرا للنجاح المبهر والمدهش الذى حققه لاعبو مصر المحليين، قرر مسؤولو الرياضة فى دول شمال المغرب العربى، وتحديدا المغرب والجزائر وتونس، الاعتكاف ودراسة تجربة مصر الرائدة، خاصة أن مردود منتخبات هذه الدول التى تضم جيوشا من المحترفين، كان صفرا، لدرجة أن المغرب على سبيل المثال لم تفز ببطولة الأمم الأفريقية سوى مرة واحدة منذ ما يقرب من 42 عاما!!
وخرجت وسائل الإعلام فى الدول الأفريقية والعربية، تونس والجزائر والمغرب وساحل العاج والكاميرون، أيضا، تهاجم لاعبى منتخباتهم المحترفين وتتهمهم بالتقصير الشديد، واللعب «بالشوكة والسكين» خوفا على أقدامهم من الإصابة، وتغليب مصلحة الأندية التى يلعبون بين صفوفها فوق مصلحة منتخبات بلادهم، والمطالبة بضرورة الاعتماد على اللاعبين المحليين واتخاذ منتخب مصر الوطنى قدوة ومثل.
ومقارنة منتخب مصر المحليين أعوام 2006 و2008 و2010، ومنتخب المحترفين أعوام 2017 و2018 يتبين الفارق الواضح والشاسع، فمنتخب المحليين كان أكثر حماسا وانضباطا وتفانيا وجوعا للعب الكرة، فقدم كل ما يملك من قوة وجهد دون خوف من إصابة، أو هجوم وسيلة إعلام أجنبية، على عكس منتخب المحترفين 2017 و2018 حيث غلب مصلحته الخاصة فوق المصلحة العامة، وتعامل باستعلاء مع المسؤولين عن إدارة اللعبة، ومع الجهاز الفنى، وغاب الأداء فى الملعب، والانضباط خارجه، لدرجة أن اللاعبين كانوا يظهرون على قنوات عربية فى بث مباشر، خلسة من غرف نومهم، ورغم هذه الخطيئة، لم يتدخل مسؤول واحد عن المنتخب لإعادة الانضباط وسحب التليفونات الخاصة وكل وسائل التكنولوجيا التى تمكن اللاعبين من التواصل مع خارج إقامتهم!!
غياب الانضباط داخل الملعب، وخارجه، والانشغال بمعركة حصد المغانم من إعلانات ومداخلات هاتفية مع القنوات العربية والبحث عن عروض احتراف خارجية، أدى إلى سوء الأداء فى الملعب، وفقدان التركيز، والدليل أن مرمى المنتخب مُنى بأهداف قاتلة فى الوقت بدل الضائع، وخسرنا المباريات الرسمية الثلاثة، ومن قبلها خسارة المباريات الودية أمام منتخبات البرتغال وبلجيكا واليونان!!
ومن المعلوم بالضرورة أن كرة القدم لعبة مكسب وخسارة، لكن الأهم الاعتكاف ودراسة أسباب الخسارة، من كل المنتخبات القوية منها والضعيفة، واستخلاص الدروس والعبر، ووضع اليد على مواطن الضعف، وحشد الجهود لتغيير المنظومة بأكملها، وإزالة التشوهات!!
وتبقى نقطة مهمة، إعادة الانضباط، والقيم الأخلاقية للمنظومة الرياضية، والقضاء على الهتافات المسيئة، فى الملاعب، ومنها ظاهرة التهديد والوعيد بنشر الفضائح وتدشين المصطلحات المسيئة، وإعلاء شأن التعصب المقيت، ومعاقبة كل من يحاول إشعال نار التعصب بين الجماهير!!
نعم، غاب الهدف الحقيقى للرياضة، وهى نشر الأخلاق، والروح الرياضية، واندثرت عملية غرس الانتماء، ولا يمكن ومن غير اللائق أن تهتف قلة من الجماهير هتافات مسيئة ووقحة ضد اللاعبين، والجهاز الفنى، مهما كان حجم الخسارة، لأنه ليس هكذا تدار الأمور!!
لابد من حشد الجهود، لإعادة المنظومة الأخلاقية والانضباط فى الملاعب من جديد، والقضاء نهائيا على الشغب وترديد الهتافات المسيئة، وبتر كل عضو فاسد فى منظومة الرياضة بشكل عام، وكرة القدم بشكل خاص، وكل من يؤجج مشاعر الجماهير، ويسكب البنزين على نار التعصب والفتنة!!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة