بشرى خير لنا، أن يستعيد محصول القطن المصرى الغالى طويل التيلة عافيته، ويبدأ الفلاحون يقبلون على زراعته من جديد، كما يبدأ الاهتمام الحكومى بالحفاظ على السلالات المصرية وحمايتها وتوفيق مصانع الغزل عليها، وكذا تسويقها بما يليق بها فى أسواق العالم.
التقرير الأخير الصادر عن وزارة الزراعة حول موقف المساحات المنزرعة بالقطن هذا العام، يكشف عن زيادة تفوق الخمسين بالمائة عن العام الماضى فى المساحات المنزرعة بالذهب الأبيض، فالعام الماضى كان من أسوأ الأعوام التى مرت على فلاحى مصر وعلى الزراعة المصرية فيما يخص محصولها الأول ذا السمعة العالمية الذى تقاس عليه جودة سائر محاصيل القطن فى العالم، وكما يقاس البترول على خام برنت يقاس القطن فى البورصات العالمية على القطن المصرى، لذا فإن أى زيادة فى مساحاته تعتبر خيرا لمصر ومزارعيها وأى إجراءات تعزز حماية وتسويق واستغلال ذهبنا الأبيض تعنى فى المقام الأول أننا على الطريق الصحيح من حيث الوعى بمصالحنا والعمل على تحقيقها.
العام الماضى الأسود على زراعة القطن واستغلاله فى مصر، تراجعت المساحة المنزرعة إلى نحو 216 ألف فدان فقط، وربما هى المساحة الأقل تاريخيا فى زراعة القطن فى مصر منذ أدخله إلينا محمد على باشا وعمم زراعته حتى أصبح واحدا من المحاصيل الأساسية التى تعتمد عليها اقتصادياتنا الزراعية، ووصل فى بعض السنوات خلال منتصف القرن الماضى إلى مليونى فدان ويمثل أكثر من %70 من إجمالى صادراتنا للعالم، ولعل بورصة القطن فى مينا البصل بالإسكندرية تشهد على سنوات العز التى عاشها هذا المحصول الذى ارتبطت به دورة حياة الزراعة وحياة الفلاحين خلال عقود طويلة.
الحمد لله أن التفتت وزارة الزراعة إلى الخطر الذى يواجه القطن المصرى، وبدأت عملية إنقاذ المحصول الأهم والأغلى من خلال توفير التقاوى الجيدة وتطبيق الزراعات التعاقدية على المحصول لأول مرة، والتعاون مع الشركة القابضة للغزل لشراء أقطان الإكثار بسعر السوق أو الشراء بسعر الضمان، أيهما أعلى حيث سيتم التعاقد على شراء محصول مساحات إكثار القطن بعد حلجه بالمحالج المرخصة التابعة لوزارة الزراعة لاستخلاص البذور والمحافظة عليها، وتوفير جميع مستلزمات مكافحة الآفات بالتنسيق مع المعمل المركزى للمبيدات والجمعية التعاونية الزراعية، وبالفعل أثمرت هذه السياسة عن زيادة 104 آلاف فدان فى المساحة المنزرعة لتصبح 320 ألف فدان العام الحالى.
إذا اعتبرنا عملية الإنقاذ التى نفذتها وزارة الزراعة تجاه محصول القطن هذا العام مجرد بداية، فنحن على الطريق الصحيح لاستعادة عرش القطن المصرى العالمى الذى تتهافت عليه كل الأسواق العالمية، ولعلكم تذكرون الفضيحة الكبرى التى شهدتها الأسواق الأمريكية العام الماضى بعد تزوير الشركة الهندية العملاقة «ولسبن إنديا» علامة القطن المصرى الممتاز ووضعتها على منتجات الشركة الأقل جودة طبعا، الأمر الذى كشف أن عشرات الشركات الأجنبية تزور علامة القطن المصرى، لتبيع غزولا ومنتجات يتهافت عليها السوق العالمى، نظرا لما يتميز به المحصول التاريخى لمصر من طول الألياف ودقتها ومتانتها.
فإذا كان العالم كله يتهافت على القطن المصرى، فإن أى مساحات يمكن زراعتها بالأصناف النادرة الجيدة طويلة التيلة التى نتميز بها ستحقق مكسبا كبيرا وتسهم فى اعتدال الميزان التجارى وستحقق دخلا للبلاد من العملات الأجنبية وستعيد لمحصول مصرى رئيسى ازدهاره، فلماذا لا تستثمر الدولة فى الفلاحين وفى محصول القطن؟ لماذا لا نعتمد خطة طموحة لاستعادة العرش العالمى الذى فقدناه؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة