عباس شومان

أبوموسى الأشعرى

الثلاثاء، 05 يونيو 2018 11:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أبوموسى عبدالله بن قيس الأشعرى، الذى رفع الإسلام شأنه، ولأن الإسلام يرفع من شأنه، حتى أنه لم تنقل لنا الكتب شيئًا عن أيامه الأولى قبل دخوله فى الإسلام، إنما بدأت حياته الحقيقية فى الظهور بعد إسلامه لا قبل ذلك، فهو واحد من أبرز قراء القرآن الكريم فى عهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الذى استخدم صوته الندىّ فى إبراز جمال الآيات القرآنية وإعجازها، فكأن صوته نفحة سماوية باهرة ملأت أسماع الصحابة، مع محافظته التامة على الحرف القرآنى وإخراجه من مخرجه الصحيح، فلا يشتبه بحرف آخر، ولا يحدث إخلال بأحكام التلاوة والتجويد.
 
وأبوموسى الأشعرى من اليمن، وهم قوم أصحاب قلوب نقية، ما أن سمعوا ببعثة النبى، صلى الله عليه وسلم، وأخباره حتى بادروا بالخروج إليه فى أكثر من خمسين رجلًا، وركبوا سفينة للسفر إلى النبى، صلى الله عليه وسلم، ومعهم أبوموسى وأخواه، إلا أن السفينة حملتهم إلى الحبشة، وهناك التقى أبوموسى وأصحابه بالمسلمين المهاجرين إلى الحبشة، وعلى رأسهم جعفر بن أبى طالب، الذى طلب منهم الإقامة معه ففعلوا، ثم انتقل الجمعان لمدينة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وكلهم شوق للقاء، وبينما هم فى الطريق، يقول رسول الله، صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «يقدم عليكم غدًا قومٌ هم أرقُّ قلوبًا للإسلام منكم»، فلمّا اقتربوا من المدينـة ظهرت أصواتهم الجميلة، وقلوبهم النقية، حيث جعلوا يرتجـزون: «غدًا نلقى الأحبّـة، محمدًا وحِزبه»، فلمّا دخلوا عليه تصافحـوا، فكان أهل اليمن من الأشعريين أوّل مَنْ سن المصافحة، واتفق مقدمهم مع فتح المسلمين لخيبر فأطعمهم النبى، صلى الله عليه وسلم، منها طُعْمة، عرفت بـ«طُعْمَة الأشعريين»، ولمَّا نزلتِ الآية الكريمة «فَسَوْفَ يَأْتِى اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ»، قال الرسول، صلى الله عليه وسلم: هم قوم هذا، يعنى أبا موسى الأشعرى.
 
لقد كان أبوموسى رضى الله عنه متعدد المواهب والملكات، فبالإضافة إلى حنجرته الذهبية وصوته العذب، كان قاضيًا عدلًا وفقيهًا مقدمًا، حتى قال الشعبى: «كان الفقهاء من أصحاب محمد، صلى الله عليه وسلم، ستة: عمر، وعلىّ، وعبدالله بن مسعود، وزيد، وأبوموسى، وأبىّ بن كعب»، وقال: «قضاة هذه الأمة أربعة: عمر وعلى وأبوموسى وزيد بن ثابت»، ولقد فطن النبى، صلى الله عليه وسلم، لمواهبه وقدراته وشجعه على الاستفادة المثلى منها، واعتنى به عناية فائقة، فقال: «اللهم اغفر لعبدالله بن قيس ذنبه، وأدخله يوم القيامة مدخلًا كريمًا»، ولما سمع قراءته للقرآن وصوته الحسن قال له: «لو رأيتنى وأنا أستمع لقراءتك البارحة لقد أوتيت مزمارًا من مزامير آل داود»، والجملة فيها تشجيع عظيم لأبى موسى على ممارسة موهبته الفذة، وتحسين صوته فى القراءة؛ لأن أحدًا لم يعط من حسن الصوت ما أعطيه داود، كانت الجبال تؤوب معه والطير، وورد فى سيرته أنه كان إذا قرأ من حسن صوته وقفت الطيور والوحوش تستمع لقراءته ولحسن صوته عليه السلام، وجواب جملة «لو رأيتنى » فى الحديث محذوف: أى لسرك ذلك، فقال أبوموسى: يا رسول الله، لو أعلم أنك تسمعه لحبرته لك تحبيرًا، أى زينته وجملته وحسنته، فيدل ذلك على استحباب سماع القرآن من أصحاب الأصوات الحسنة الذين يتلونه حق تلاوته على الوجه الصحيح، وأن هذا يبعث على الخشوع والتدبر والتفكر، حتى أن عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، كان يقول لأبى موسى: «ذكرنا ربنَا فيقرأ أبوموسى بصوت خاشع جميل ويحسن القراءة، فيقول عمر بن الخطاب: من استطاع أن يتغنى بالقرآن غناء أبى موسى فليفعل»، وقال أبوعثمان النهدى: «ما سمعت مزمارًا ولا طنبورًا ولا صنجًا أحسن من صوت أبى موسى الأشعرى، إن كان ليصلى بنا فنود أنه قرأ البقرة، من حسن صوته»، لذا قال العلماء إن التغنى بالقرآن جائز شرعًا واستدلوا بما جاء فى صحيح البخارى وغيره أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: ليس منا من لم يتغنَ بالقرآن، وما رواه البخارى ومسلم أن النبى، صلى الله عليه وسلم قال: «ما أذن الله ما أذن لنبى حسن الصوت يتغنى بالقرآن»، ومنها أن النبى، صلى الله عليه وسلم، قال: «زينوا القرآن بأصواتكم»، لكن ينبغى التنبيه على ألا يتجاوز القارئ بالتغنى بالقرآن حتى يصير كألحان الأغانى، وأن يحافظ على أحكام التجويد محافظة تامة.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة