طالما نتحدث عن السياسة والاختلاف والبحث عن مساحات مشتركة لإحياء العملية السياسية، وقد تطرق الرئيس فى خطابه أمام مجلس النواب إلى ما أسماه «عقد اجتماعى»، واعتبار كل اختلاف هو قوة مضافة، وتحقيق تنمية سياسية حقيقية بجانب التنمية الاقتصادية. وبالرغم من أهمية النقاط التى وردت فى خطاب الرئيس السيسى، فإن الحديث عن «التنمية السياسية»، يرد لأول مرة بشكل صريح وواضح. وربما يشمل بعض التحركات والمبادرات التى تفتح المجال العام بصورة يمكن أن يتحملها الوضع السياسى اليوم بعد تحقيق درجة كبيرة من الاستقرار واستعادة هيبة الدولة.
فى السياسة، هناك دائمًا فجوة بين «النظرية والتطبيق»، وهى فجوة اتسعت مع وجود أدوات التواصل حيث يسود الاستقطاب والاستسهال ليحل مكان التفاهم والبحث عن مساحات مشتركة. هناك إدراك لدى كل الأطراف بأن هناك غيابًا للسياسة من سنوات وربما من عقود، بسبب تراكمات متتالية أصابت الحياة السياسية بالجمود، ودائمًا ما كانت المعارضة تعلق أزمتها على شماعة السلطة، من دون أن تبحث عن أنها مسؤولة عن مشكلاتها.
ظلت الأحزاب تؤكد أنها محاصرة من الحزب الوطنى وممنوعة من الحركة خارج مقاراتها، ولما اختفى الحزب الوطنى بعد 25 يناير عجزت الأحزاب عن الظهور أو إفراز قيادات تقود العمل الجماعى بشكل مناسب، وما جرى أن أى تجمع سياسى كان ينقسم تحت ضغط الممارسة والمنافسة إلى أفرع متصارعة. بينما تغيب أسس العمل الجماعى.
من المفارقات اللافتة للنظر أن الحزب الوطنى كان حزبًا ضعيفًا عجز عن مواجهة الأزمات السياسية، لكنه عاد ليمثل هاجسًا لدى قطاعات من المعارضة تشكو من عودة وجوه الحزب الوطنى إلى الصورة، وهؤلاء الذين يشكون من منافسة أفراد لا يعترفون بعجزهم ويكتفون بالتحذير من الحزب الوطنى، وهؤلاء يستندون إلى حجج لا تمثل السبب الرئيسى لأزمة الغياب والفراغ السياسى. حيث يسعى كل فريق لاستبعاد الآخرين من الصورة.
وبالعودة إلى مبادرة الرئيس التى طرحها فى خطاب التنصيب، فإن دعوة المعارضة والآخر تحتاج إلى المزيد من التفصيل، للدفع نحو التنمية السياسية التى لاتقل أهمية عن التنمية الاقتصادية، لأنه يعنى فتح الباب للحوار والاجتهادات.
ويبدو أن الأمر بحاجة لمزيد من التفصيل، مع الاعتراف بأن الأحزاب السياسية أو المعارضة لا يمكن أن تنشأ بقرار، ولكن بإتاحة الفرصة والظروف المواتية لنمو حياة سياسية طبيعية، تسمح بالحوار والجدل والأهم أنه تسمح بمنافسة تتيح الفرصة لظهور واختيار الأفضل من خلال التجربة وليس فقط من خلال الاختيار المباشر. للممارسة وليس بناء على ضجة النجومية وادعاءات الشهرة المصنوعة بمواقع التواصل. وعبور الفجوة بين النظرية والتطبيق.
مع الأخذ فى الاعتبار أن تحولات التطور التكنولوجى والتقنى والاتصالات كلها غيرت من مفهوم وشكل السلطة والسياسة فى العالم كله، وخلقت مراكز تأثير مختلفة وصلت إلى حد التلاعب قى الرأى العام، وكل هذا يتطلب تفهمًا أكثر ونقاطًا مشتركة للحوار توسع من مساحة التفاهم السياسى والمجال العام.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة