"على الرغم من تعاليم الإسلام التى تدعو إلى المساواة والعدل والعقل وتشجب عقلية الأعراب، من دون أن تذهب إلى حد وضع نظرية كاملة فى الحكم، فإن عقلية البداوة القبلية جعلت الحكم والدولة حكرا على الدوام للأسر والعائلات والقبائل التى تسمت الدول بأسمائها (دول بنى أمية، إلى دولة بنى عثمان، مرورا ببنى العباس وبنى بويه وبنى أيوب وبنى إدريس وبنى مرين وسواهم".. هذه الفكرة تكشف شيئا مهما من كتاب "الإسـلام - منذ نشوئه حتى ظهور السلطنة العثمانية" للفرنسى كلود كاهن، ترجمة حسين جواد قبيسى، والصادر عن المنظمة العربية للترجمة.
يلقى هذا الكتاب نظرة شاملة ومعمّقة على مرحلةٍ واسعة تمتدّ حوالى عشرة قرون، منذ نشوء الإسلام حتى ظهور السلطنة العثمانية، ولعلّ أبرز ما فيه هو أن المؤلف لا يكتفى بعرض الوقائع فحسب، بل يغوص فى تحليل الأسباب، منقّباً عن جذورها الاقتصادية والاجتماعية، بحيث يأتى النصّ متجاوزاً سطحَ الحدثِ التاريخى إلى أعماقه البعيدة.
ومما يشدّ الانتباه أيضاً هو مناقشةُ المؤلّف مسألةَ الاستشراق، وتصويبُهُ أخطاءَ عددٍ من المستشرقين الذين قدّموا الإسلام إلى الغرب فى صورةٍ تجانب المنطق وتخالف الواقع.
ومن المعلوم أنّ أعمال كلود كاهن وتصويباته أدّت دوراً كبيراً فى تقويم نظرة كثيرٍ من الباحثين والمثقّفين الغربيين إلى الإسلام والمسلمين.
وكتاب "الإسلام" يختصر تاريخ حقب امتدت على مدى عشرة قرون ظهرت خلالها فى العالم الإسلامى دول دالت وظهرت بعدها دول دالت ودانت جميعا بالإسلام أو حاربته ثم دانت به، فهو يعتمد التبسيط من دون تسطيح والشمول من دون سد سبل التعمق أمام الراغبين فى استزادة وتوسع.
وكلود كاهن يتوجه بكتابه إلى القارئ الفرنسى الراغب فى اكتساب معرفة غير مسطحة لكنا فى الوقت نفسه غير معمقة، عن تاريخ الإسلام والمسلمين.
ولد كلود كاهن فى باريس عام 1909، درس تارريخ الشرق الأوسط ولغاته فى المعهد الوطنى للغات الشرقية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة