قرأت لك.. "عدن فى عيون أردنية".. اليمن حلم قديم

الأحد، 08 يوليو 2018 07:00 ص
قرأت لك.. "عدن فى عيون أردنية".. اليمن حلم قديم غلاف الكتاب
كتب أحمد منصور

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

ربما يعرف جميعنا عدن لكن من يعرف أنها كانت عاصمة لدولة اسمها جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، فهم بالتأكيد أبناء جيل أصبحوا اليوم فى الخمسينيات والستينيات من أعمارهم، والسبب موضوعى على أى حال، فالدولة خرجت من الجغرافيا السياسية، وبقيت ملكا للتاريخ، الدولة التى عرفها الناس باليمن الجنوبى، ظهرت إلى التاريخ سنة 1967 بعد احتلال بريطانى استمر منذ عام 1839، ومقاومة شعبية توجت بثورة مسلحة انطلقت سنة 1963، وقد استمرت حتى سنة 1994، حين قامت وحدة بين دولتى اليمن.

 

وقليلون هم الشباب الأردنيون الذين تمكنوا من الوصول إلى اليمن سواء للعمل أو الدراسة قبل الألفية الثالثة، دولة الجنوب بنظامها الاشتراكى هى الوحيدة التى استطاعت أن تستقطب أعدادا من الطلبة الذين ينتمون إلى الأحزاب التى تشاركهم الفكر، أو من المنظمات المعادية للإمبريالية. وقد كانت تلك تجربة فريدة ومتميزة فى العالم العربى، أحد الأردنيين الذين تمكنوا من الوصول إلى عدن للدراسة والعيش فيها فى فترة ازدهار نظام اليمن الديمقراطى السياسى هو الدكتور محمد جرادات، الذى عاد إلى مخزون ذاكرته بعد سنوات طويلة من عودته من عدن، وبعد أحداث كثيرة ورياح عاصفة مرت على البلاد، بتجميع شتات الذاكرة، ليصدرها فى كتاب بعنوان "عدن فى عيون أردنية" صدر مؤخراً عن الآن ناشرون وموزعون فى عمّان.

 

ينظر الدكتور الجرادات إلى تجربة اليمن الديمقراطى على أنها حلم جميلٌ فى زمن مستحيل، وقد شاءت ظروفه أن يعيش تجربة دولة اليمن الديمقراطيّة بكل توحّدها وتناقضاتها، تلك الدولة التى كانت شبه خالية من الأميّة وتتمتّع بتعليم وصحّة مَجَّانيّيْن، وتحتضن خيرة مناضلى الشعوب العربيّة الذين لم تسمح لهم بلادهم بالبقاء فيها أو تلقّى التعليم على أرضها، فتجد العراقى والسودانى والفلسطينى والأردنى والبحرينى.. إلخ، تجمعهم النقاشات ويفرقهم الجدل والخلافات، وكما هو الوضع الذى عايشه الكاتب نراه متنقلاً بين الحلم وصولاً إلى "الهروب إلى الأمام" نحو الوحدة اليمنيّة عام 1990، مع توقّف طويل حول صراع "الرفاق" الدموى عام 1986 وما نجم عنه من فقدان الآلاف من الكوادر والمناضلين اليمنيين والفراغ الفكرى والسياسى والتقنى كنتيجة حتميّة لذلك.

 

ولم يكن الكاتب مجرّد شاهد عيان، كما يقول الباحث نواف نافع، بل كان جزءاً من المشهد، مؤكداً أن "مَن لم يزُر عدن ينقصه شىء ما، ومَن زارها وعاش فيها يعرف ما الذى ينقص الرّفيق الذى لم تُتح له فرصة الزيارة"، وأن الذى يتجول فى "ساحة العروض" كان يمكن أن يلتقى عبد الفتّاح إسماعيل أو على عنتر أو عبد الله باذيب وغيرهم من القادة يتمشّون من دون حراسة، أو يشترى شيئاً ما من دكّان بالآجِل ليجد اسمه إلى جانب اسم أحد الوزراء. هذا هو اليمن الديمقراطى، مزيجٌ من الفطرة والبساطة والحلم بالاشتراكيّة و"المثال الذى يجب أن تنتهى إليه نضالاتنا"، على حدّ تعبير الزعيم الراحل يعقوب زيادين، لأنه كان كذلك، فإن د.محمّد جرادات يغوص فيما يغوص به من الوجدانيّات متنقّلاً بين أغانى فرقة الطّريق والفنان جعفر حسن، وأشعار سعدى يوسف والسّودانى محجوب شريف، وحضور لقاء للأمين العامّ للحزب الشيوعى السودانى محمّد إبراهيم نقد، ليضعنا الكاتب وسط مجتمع عربى تقدمى بامتياز.

 

وفى خضم الصّراعات والأمل والألم لم ينسَ الكاتب وطنه الأردن؛ فنراه يشارك فى النّضال تضامناً مع طلبة جامعة اليرموك ومع معتقلى الحزب الشيوعى الأردنى، مازجاً ذلك وناقلاً إيّاه إلى رفاقه وزملائه اليمنيين والعرب لتصبح أهازيج هيّة الكرك والحكومة الوطنيّة وانتخابات عام 1956 وانتفاضة أبريل جزءاً من نشاطات اتحاد الشباب الديمقراطى اليمنى والمناضلين العرب المقيمين قسراً أو اختياراً على أرض اليمن الجنوبى، ممتزجة بالفرح القادم من السّودان مع الإطاحة بجعفر النميرى، والغضب لضرب الطيران الأمريكى لليبيا.. إلخ.

 

لقد عاش الكاتب فى اليمن الجنوبى، وشاهد عن كثب العديد من الوقائع المتَّصلة بالمحطَّات الرئيسية لتاريخ جمهوريَّة اليمن الديمقراطيَّة الشعبيَّة، وعايش الكثير من الأحداث بمختلف تفاصيلها، وكان قريباً جداً وبشكل يومى من صنّاع الأحداث والقرارات وكبار المسئولين فى الحزب الحاكم والدولة بمختلف مؤسساتها، ومُطّلعاً على بعض المعلومات المهمّة عن قادتها وخلفيَّاتهم الفكريَّة والسياسيَّة والثقافيَّة وصراعاتهم المأساويَّة، وبالتأكيد فى حالة تفاعل مستمرة، وشاهد عن قُرب أهم التطوّرات والتحولات التى مرَّ بها اليمن الديمقراطى، البلد الذى تحرّر من الاستعمار البريطانى بمقاومة شعبية حقيقية، وكان معادياً للإمبرياليَّة والصهيونيَّة والرجعيَّة، بلا أدنى التباس، فجاء هذا الكتاب زاخرا بالذكريات والتوثيقات عن تلك المرحلة، وهو ما يستحق القراءة.

 

يذكر أن الدكتور الجرادات من مواليد بشرى/ إربد سنة 1962، حاصل على شهادة البكالوريوس فى الفلسفة والعلوم الاجتماعية من جامعة عدن، والماجستير فى الأنثروبولوجيا الثقافية من جامعة اليرموك الأردنية، والدكتوراه فى الصحافة والإعلام.

 

عمل مدرساً فى جامعة العلوم الإبداعية فى دولة الإمارات العربية المتحدة، ومحاضراً فى معهد الشارقة للتراث، ومدير إدارة الاستشارات والخدمات الإعلامية فى شركة خطوة للإنتاج الإعلامى فى الإمارات العربية المتحدة، وهو إضافة إلى ذلك كاتب وصحفى وخبير فى التدريب الإعلامى، ويعدُّ مؤسِّس جمعية الأنثروبولوجيين الأردنيين، وترأسها لفترة من الزمن، وهو عضو الجمعية الفلسفية الأردنية، كما أنه عضو هيئة تحرير مجلة الموروث العلمية المحكّمة، الصادرة عن معهد الشارقة للتراث، وعمل مدير تحرير لمجلة معكم، المتخصصة فى العمل الخيرى والإغاثى، الصادرة عن منظمة الهلال الأحمر العربى والصليب الأحمر العربي. وله العديد من الأبحاث والدراسات المنشورة فى الصحف والمجلات العربية.







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة