"أب يقتل ابنه"، و"سيدة تخنق رضيعها"، و"شاب عاق يتخلص من والدته"، و"مواطن يذبح شقيقته"، عناوين تقرأها كثيراً في صفحات الحوادث مؤخراً، تؤكد على ما وصلنا إليه من عنف وقتل وتدمير لصلة الأرحام، لتسجل الجرائم الأسرية أعلى معدلاتها منذ ثورة 25 يناير.
لا يكاد يمر أسبوع واحد، إلا وأنت تسمع عن جريمة قتل بشعة، وعندما تدقق في التفاصيل تكتشف أن الطرفين أقارب "أب وابن"، "زوج وزوجته"، "أشقاء"، لتكتشف أننا أصبحنا غير قادرين على تحمل بعض، وأن ثقافة "الود" و"التراحم" و"الترابط" تختفي تدريجياً بيننا.
بلغة الأرقام، دعنى أقول لك أن عدد جرائم القتل بلغت 2890 فى عام 2014، ووصلت لـ 1182 في عام 2017 وهى أرقام مخيفة، إذا بحثت فى تفاصيلها تكتشف أن عددا كبيرا منها "جرائم أُسرية" ، بدأت تنهش في مجتمعنا المترابط القوي المتين ، حتى تحولت منازلنا التى طالما كان يملأها الحب والدفء لمنازل ضعيفة هزيلة مثل "بيوت العنكبوت" ، فتنهار أمام أول مشكلة ، لتسيل الدماء، وينتهي الأمر بالأقارب أحدهما مقتولاً والأخر مسجوناً .
منازلنا الجميلة الهادئة التي كانت تضم بين جدرانها أفراحنا وأحزاننا ، باتت مسارح لجرائم القتل والاغتصاب ، فانتصرت الشهوات على القيم لدى البعض، فتسارع أم لتكتم أنفاس صغيرها بعدما أزعجها ببكائه أثناء ممارستها الجنس الحرام مع عشيقها، ويستحل الأخ دم شقيقه طمعاً في الميراث، ويقتل الابن والديه انتصاراً للكيف والمخدرات.
الحل الأمني ليس كافيا لمواجهة جرائم "الناس العُزاز" ، فدور الشرطة ضبط الجاني بعد ارتكاب الجريمة ، وليس لزاماً عليها أن تُعين عسكري داخل كل منزل لضمان عدم وقوع الجرائم الأُسرية ، وإنما يقع عبء ذلك على العديد من المؤسسات ، مثل " دور العبادة " التي من المفترض ألا تكف عن التأكيد على حرمة اراقة الدماء والتنبيه على أهمية صلة الرحم والسيطرة على النفس في حالة الغضب، و"دور المدرسة" في تربية الشباب على احترام الوالدين والبعد عن العنف، و"دور الإعلام"و"الدراما" في تصدير مشاهد للتراحم والترابط، والبعد عن مشاهد الخيانة والقتل التي يكررها أفراد الأسرة.
إننا أصبحنا بحاجة لمراجعة النفس، قبل فوات الأوان، ندرك ما تبقى لدينا من قيم وأخلاق، قبل أن نكون ـ أنا وأنت ـ مقتولين أو محبوسين .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة