لست هنا بصدد إعطاء الدروس للزملاء أو أساتذتى الكبار فى الصحافة والإعلام، إنها مجرد صرخة أطلقها لكى نفيق من هذا الجنون الذى نعيشه بكل وسائلنا الإعلامية!
بصراحة التناول الإعلامى لنا كمصريين للأحداث والحوادث فى مصر أصبح شيئاً غير معقول وغير مقبول ولا يمت للمهنية بصلة.. أعترف ولابد أن نعترف جميعاً بحجم الخطأ الذى وقعنا، ومازلنا، نقع فيه عند تغطية أى من الأحداث التى يفترض أنها تحدث كثيراً، ولا داعى للمفاجأة أو كأننا نرى الحدث لأول مرة، بل ننادى أن نكون كالدول المتقدمة ولا نعمل نحن ما يفعله إعلام هذه الدول.
ففى كل بلدان العالم عندما تحدث أية حادثة كبيرة أو صغيرة لا يجرؤ أحد على كتابة حرف واحد إلا من خلال البيانات الرسمية التى تصدر من الجهات التى يقع فى دائرتها الحدث، والأمثلة كثيرة من بريطانيا لفرنسا وصولا لأمريكا.
خلال التغطية الإعلامية لحادث شركة هليوبوليس للصناعات الكيماوية كان المشهد كالتالى: وجدنا وكالة «رويترز» تبث الخبر بطريقة تجعلك تفهم أن الانفجار داخل المطار، وتلى ذلك خبر إيقاف الملاحة الجوية بمطار القاهرة، ولحظات أصبح الخبران على القنوات العالمية وخاصة المتنمرة لمصر، وحتى القنوات الصديقة وقعت فى فخ هذا التسرع.. والسؤال هنا: هل كانت تجرؤ رويترز على نفس الفعل لو تم الحادث فى بريطانيا؟
ثم بدأت الكتائب الإلكترونية، وهذا عملها فى الأساس وتتقاضى الأجر عليه، فى بث الرعب فى قلوب المواطنين ومحاولة إلقاء كرات اللهب من كل اتجاه على الخبر حتى تتسع حركة ترويج الأكاذيب التى تتم عبر نفق «شاهد عيان»، وهى اللعبة التى تجيدها هذه القنوات وتضع على لسان «شاهد عيان» كل ما تريد بثه، مستخدمين أسلوب وزير الدعاية السياسية فى عهد أدولف هتلر وألمانيا النازية باول جوزيف جوبلز (29 أكتوبر 1897-1 مايو 1945) صاحب آلة الدعاية النازية وصاحب شعار شهير يقول: «اكذب حتى يصدقك الناس» غير أنه كان صاحب الكذب الممنهج والمبرمج الذى يعتمد الترويج لمنهج معين ويهدف لتحطيم الخصوم من الجانب الآخر، وقد أكدت ظاهرة «جوبلز» هذه أن الذى يملك وسائل الإعلام يملك القول الفصل فى الحروب الباردة والساخنة أيضاً.
بدأت مواقع التواصل تشتعل والأزمة كبيرة على المواقع، فى حين المسؤولين التنفيذيين فى موقع الحادث يسمعون عن أشياء ليست بالموقع الذى هم فيه- نعم نجحت خطتهم- فى جعل المواطنين يصدقون أكاذيب ليست موجودة.
بالطبع المسؤول لن يخرج ليقول استنتاجات سواء للدولة أو للإعلام، لابد أن يمتلك معلومة ليقولها أولاً، وهذا يتطلب بعض الوقت والتريث قليلاً لكى نسمع الحقيقة ونفهمها، بعد ذلك بدأت المعلومات تظهر فى شقها الرسمى وبدأت موضوعية بمكان الحادث، وما الذى حدث وصولاً للمتحدث الذى شرح كيف تم الحادث.
لم تنته القصة عند هذا الحد فلابد أن تعلم سيادتك كم خسرت مصر بسبب تسرعك فى عرض الحادث، وكم تبلغ تكلفة جلوسك على الإنترنت و«فتيك وهريك» حتى تجد لنفسك موضع قدم بين خبراء الفيس بوك، خسرنا كثيراً وسأضرب مثلاً واحداً على هذه الخسائر وهو ما قيمة ما تدفعه مصر جراء وضع اسمها على شريط الأخبار مقترناً بحادث انفجار وخبر إغلاق المجال الجوى؟.. الإجابة لكى تقتنع بها أسال نفسك هل القنوات المتحيزة ضد مصر تريد لنا الخير، لذلك وضعوا هذه الأخبار فى الصدارة.. وما تكلفة هذه الأخبار بالنسبة لقطاع السياحة الذى بدأ يتعافى؟.. لقد كلفت البلد الكثير لمجرد أنك ترضى فضولك لكى تعرف ما الذى حدث!
أيضا التناول الإعلامى لتصريحات الدكتورة «هالة زايد» وزيرة الصحة والتى تم «الهرى» على تصريحها عن السلام الوطنى وهو كان ضمن مجموعة من القرارات اتخذتها الوزيرة ولم يتم مناقشة أى من هذه القرارات سوى موضوع «السلام الوطنى»، والذى تراه سيادتك شيئاً سلبيا مع أن القرارات التى اتخذتها الوزيرة مهمة وتساعد على تحسين المؤسسات العلاجية فى مصر، وانظر إلى تكليفات الرئيس لها مثلا فى موضوع التأمين الصحى، لكن سيادتك تنتظر أخطاء لـ«تهرى» عليها.
أنا بصراحة أختلف معك حتى فى تصنيفك «لهرية» السلام الوطنى وسماعه لا يجب أن يكون عليه اختلاف إلا إذا كان سماعك له يسبب لك مشكلة!! أعرفك فأنت لا تنظر للجانب الإيجابى أبداً.. ابقَ كما أنت.
لابد من وقفة مع النفس ووقفة من قبل المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام مع الإعلام الخارجى والحساب لمن يخطئ مهما كان، فالبعض منا كإعلاميين محسوب على أنهم مصريون فضّل أن يكون صاحب السبق وحتى لو خطأ لأنه يأمن من العقاب على حساب بلد مازال يدفع الكثير جراء جرائمنا.
كلامى لن يروقك.. أتفهمك لأنك تريد فوضى تتكسب من أجوائها ولا تحاسب على أخطأئك، لكنى أود أن أقول لسيادتك إما أنك لا تعيش معنا على أرض الواقع، وكلما تحركنا للأمام نشعر بالسعادة كأننا نرى أولانا فى خطواتهم الأولى أم أنك تعيش فى عالمك الافتراضى تنتظر «هرية» جديدة غير مضحكة إلا لك.
بالطبع لا تؤمن بالمؤامرة وأنا سأكون فى صفك هذه المرة، لكن انظر كيف سقطت رهانات كثير من الخبراء الذين كانوا يعتقدون أن انتشار وسائل الاتصال والتقدم فى تكنولوجيا المعلومات سيؤدى إلى تراجع ترويج الأكاذيب والاستنتاجات الوهمية، بل إن اللافت للنظر أن هذه الأكاذيب استفادت من وسائل الاتصال مثلما يحدث الآن من شائعات تتناقلها اللجان الإلكترونية لجماعة الإخوان الإرهابية بمناسبة ودون مناسبة عن مصر، بل تطورت وأصبح ترويج الأكاذيب والاستنتاجات الوهمية بوسائل التواصل الاجتماعى تنتقى مادتها وأدواتها، وتعبر عن محتواها بالنص، والصوت، والصورة، والرسم، والفيديو، علاوة على انتشار الشائعات عبر تلك الوسائل بسهولة، لاسيما مع تحصين هوية المرسل وإخفائها، وكذلك ضعف قدرة مستهلكى الأخبار على تقدير دقة تلك الأخبار، بل وصل الأمر لتزوير لوجو الصفحات الرئيسية للمواقع التى تتسم بالمصداقية مثل «اليوم السابع» و«الوطن» وكتابة عناوين ومانشيتات على صفحات شبيهة حتى تخدع المواطن بالتزامن مع عدم وجود حارس بوابة لتلك المواقع، فيصعب التحقق من الحدث، ويسهل على الآخرين القيام بمهمة التضليل، ومن ثم كانت تلك المواقع من أهم الوسائل التى ارتكزت عليها المخططات الاستراتيجية لنشر العنف والفوضى، ونشر الشائعات والأخبار المغلوطة، وزعزعة القناعات الفكرية، والثوابت العقائدية، والمقومات الأخلاقية والاجتماعية التى من شأنها إحداث بلبلة داخل المجتمع؛ الأمر الذى أصبح يمثل تهديدًا للأمن القومى للبلاد.