من حسنات قانون تنظيم الصحافة والإعلام، أنه تصدى لأكثر القضايا ذات الصلة بالممارسة المهنية، تلك التى غابت عن كثير من مشروعات القوانين السابقة، أو أغفل المسؤولون تطبيقها بالروح الإيجابية التى تعمل على دعم الصحفى ومنعه من الاختلاق أو التفسير المتطرف أو نشر المعلومات المغلوطة، وفى هذا السياق جاءت المادة 10 من الباب الثانى «حرية الصحافة والإعلام» التى تنص على حظر فرض أى قيود تعوق توفير وإتاحة المعلومات، أو تحول دون تكافؤ الفرص بين مختلف الصحف المطبوعة والإلكترونية ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة، أو حقها فى الحصول على المعلومات، وذلك كله دون الإخلال بمقتضيات الأمن القومى، والدفاع عن الوطن.
يمكن القول إن هذه المادة وتطبيقها التطبيق الرشيد، يمكن أن تكون حدا فاصلا بين طريقتين فى ممارسة المهنة، واحدة قديمة بالية تضع الصحفى دائما فى خانة العدو المتهم، الذى يجب ألا يعرف المعلومة الصحيحة فى توقيتها الصحيح، ومن ثم سارت الصحافة والصحفيين فى مسار البحث والاجتهاد ومحاولة التفسير دون سند أو أصل، حتى وصلنا إلى نوع من الممارسة لا يخص المهنة فى شىء، بل يعتمد على الشائعات والنميمة والأقوال المرسلة التى لا سند لها.
ونعلم جميعا، بعد انتشار مواقع التواصل الاجتماعى وظهور ما يعرف بحروب الشائعات والأخبار الكاذبة وممارسات اللجان الإلكترونية الموجهة، أن حجب المعلومات ووضع الصحفيين فى موضع المتهمين المشكوك فيهم، يخلق البديل الأسوأ وهو تكريس الشائعات والأخبار المغلوطة وانتشار مدرسة النميمة والافتكاس التى تستند إلى عناوين ساخنة أو تحريضية مثيرة ومتون فارغة لا تقول شيئا، وكذا انتشار مدرسة الصياغة الذكية أو الصياغة التملصية أو الصياغة المراوغة التى تستند إلى الإفلات مما يحاسب عليه القانون من سب وقذف وتشهير أو اتهام صريح أو طعن فى الذمة المالية، لكنها تشير من طرف خفى إلى كل ذلك بالتلميح لا التصريح وبشكل يصل إلى القارئ ويفسره على هواه.
الممارسة الرشيدة للمادة العاشرة من الباب الثانى لقانون تنظيم الصحافة والإعلام، تعمل على وضع لائحة تنفيذية واضحة لا تحتمل التفسيرات المطاطية إياها، ولا تضع الشىء ونقيضه بخصوص توفير وإتاحة المعلومات من الجهات والمصالح الحكومية والوزارات، كما تضع حدا زمنيا مناسبا للإفراج عن الوثائق الرسمية بما لا يضر بالأمن القومى للبلاد، مع عدم اعتبار العبارة الأخيرة سببا فى منع جميع الوثائق والمستندات الرسمية من النشر للعامة.
يجب أن نعلم جميعا، مشرعين وأعضاء برلمان وصحفيين وإعلاميين، أننا جميعا فى مركب واحدة، ليس منا من هو أكثر وطنية وحرصا على المصلحة العامة من الآخر، كما أن تعظيم المسؤولية الاجتماعية والوطنية لدى جميع المعنيين بقانون تنظيم الصحافة والإعلام، يبدأ بالثقة والإتاحة، لا بالشك والمنع والحجب، أيضا، يجب أن نعلم جميعا أننا لا نخترع العجلة، ولا نبدأ من الصفر، وهناك دول كثيرة سبقتنا فى وضع التشريعات والنظم التى تسمح بتداول المعلومات دون الإخلال بأمن الوطن أو مصالحه العليا، فلننظر فى تجارب هذه الدول بروح منفتحة ووعى متقدم يستهدف مصالح المجتمع بأسره أولا والإصلاح المهنى للإعلام والصحافة ثانيا.
يا جماعة الخير، من مصلحتنا جميعا أن يكون لدينا نظام واضح لإتاحة المعلومات، لأن الحقيقة المجردة وحدها هى القادرة على كشف الشائعات ودحضها، ومواجهة حروب الشائعات والأخبار المفبركة الموجهة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة