منذ أكثر من شهر، كتبت فى هذه المساحة أكثر من مقال، حذرت فيه من خطة جماعة الإخوان وأتباعها لنشر الشائعات، من خلال الاستعانة بذباب إلكترونى جديد، واستبعاد كل اللجان القديمة، ووضعت لهم خطة عمل ممنهجة، قوامها الظهور بأنهم مع الدولة، ومساندون وداعمون للنظام، وبعد فترة من الوقت واكتساب ثقة المؤيدين على مواقع التواصل الاجتماعى، يبدأون فى زراعة بذور الشك فى قرارات بعينها، على غرار دس السم فى العسل!
ورغم مطالبتى الحكومة والبرلمان بالتحرك، والتصدى سريعًا لهذه الشائعات، بإقرار قانون مكافحة الجريمة الإلكترونية، وسرعة إعداد وإصدار اللائحة التنفيذية، فإنهما وكالعادة، جعلوا ودنًا من طين وأخرى من عجين، وكأننا نؤذن فى مالطة، وكانت النتيجة أنه، وخلال الأيام القليلة الماضية، استعرت نار الشائعات، بشكل أثار ارتباك وبلبلة شديدة فى الشارع، فأدركت الحكومة ومؤسساتها المعنية، وأيضًا أدرك الإعلام خطورة الأمر، فبدأوا التحرك للتصدى لهذه الحرب القذرة التى تواجه مصر فى الوقت الحالى!
الأخطر، أن الإخوان قرروا الاستعانة بمفهوم الشائعات التى حصرها رائد علم النفس الاجتماعى الأمريكى الشهير «جوردون ألبورت» فى كتابه الشهير عن سيكولوجية الشائعات، فى نهاية الأربعينيات من القرن الماضى، وتحديدًا أثناء الحرب العالمية الثانية، ودشن فيه 8 أنواع للشائعات، أمكن حصرها بعدما لاحظ هو ومساعده «وليوبوستمان» أن الشائعات تنتشر أكثر فى وقت الأزمات والكوارث والحروب، وحين يكون هناك غموض اجتماعى، وتأكدا أن الشائعات من الحروب المعنوية والنفسية، التى تفوق مخاطرها الحروب العسكرية والكوارث الطبيعية، لأنها تنمو فى الأجواء الحبلى بعوامل اجتماعية واقتصادية وسياسية متعددة، ما يشكل البيئة الخصبة لانتشارها، وتحقيق الأهداف المرجوة من إطلاقها.
وكشف رائد علم النفس الاجتماعى الأمريكى الشهير ومساعده أن هدف حرب الشائعات النيل من العقل والفكر والخيال والوجدان للخصوم، وتضليل الرأى العام، وإثارة الفتنة، وبث الرعب، وتصدير القلق الاجتماعى، وتحطيم وحدة الصف المجتمعى، وزعزعة الأمن، والتشكيك فى الأنظمة والحكومات والمؤسسات، والتسخيف من الإنجازات، وخلخلة توازن الروح المعنوية للمواطنين.
وتوصل العالم الأمريكى ومساعده إلى أن مروجى الشائعات يعانون من خلل وظيفى فى التنشئة الاجتماعية والنفسية والتربوية والروحية والدينية والفكرية، وهو الوصف الذى يتطابق مع جماعة الإخوان وذيولها من الفوضويين ومرضى التثوراللاإرادى!
أما الذين يصدقون الشائعات، فأكد «جوردون ألبورت» أنهم يعانون من الانحراف الأخلاقى والفساد الاجتماعى، وهفوات الذات وشهوات العقل، وهنا يتجلى دور وسائل الإعلام الحديثة والتقليدية، بتكاتف مع الحكومة والمؤسسات المعنية، بضرورة نشر الأخبار الصحيحة، ونقل الحقائق الدامغة، خاصة فى وقت الأزمات، مع التصدى لكل شائعة لدحضها وضبطها فى حينها، بواسطة رفع سقف الشفافية والموضوعية، والنهوض بقالب الوعى المهنى والقيمى والاجتماعى.
ونأتى إلى التصنيفات الثمانية التى توصل إليها عالم النفس الاجتماعى الأمريكى ومساعده فى كتابه الشهير عن سيكولوجية الشائعات:
الأولى: الزاحفة.. وتنتشر ببطء شديد، وفى سرية تامة.
الثانية: الاندفاعية.. وتنتشر بسرعة فائقة، ويزداد انتشارها وتوغلها فى وقت الأزمات والكوارث الطبيعية والحروب التقليدية.
الثالثة: الغاطسة.. وهى شائعة معقدة تنتشر فى وقت بعينه ثم تختفى، ثم سرعان ما تعود، وتظل تختفى وتعود وفقًا للظروف المماثلة ما بين الماضى والحاضر.
الرابعة: الآملة.. وهى الشائعة التى تبث روح الأمل والتفاؤل لصالح جهة أو فصيل بعينه، خاصة فى الأوقات التى تكثر فيها الخيبات، ويكتنفها الغموض وأجواء اليأس والإحباط بين أفراد الفصيل الواحد، أو غضبًا منه!
الخامسة: الخيانة.. وهى الشائعة الأكثر خطورة على أمن وأمان الأوطان، وتنتشر بشكل مذهل فى أوقات الحروب، ويكتنفها الغموض والضبابية.
السادسة: التمييزية.. وهى الشائعة التى تحاول زرع بذور الفتنة الطائفية من خلال الانحياز لطائفة ضد أخرى، وديانة وأخرى، وتأجيج الصدور بين أبنائها!
السابعة: المتحولة.. وهى الشائعة التى تتخذ من المعلومة الصحيحة جزئيًا، ويجرى تحويرها، لتتخذ مسارًا مغايرًا!
الثامنة: التخويفية.. شائعة تنتشر فى المناخ القابل لإثارة الخوف والفزع والرعب.
هذه الأنواع الثمانية للشائعات اتخذتها جماعة الإخوان وحلفاؤها نبراسًا لنهجها، خاصة النوع القائم على تشويه واقعة حدثت فعلًا، مع إعادة إنتاجها، وأيضًا المستندة إلى سوابق حقيقية، أو التى ثبت نجاحها من قبل، ومؤهلة لإعادة الطرح والتكرار، وأيضًا شائعات التنبؤ بالمستقبل، والشائعة الأسطورية الخرافية التى تتقاطع أو تتفق مع الثقافة الكامنة السائدة فى مجتمع ما، أو ما يمكن تسميته المزاج العام.
وفى ظل هذا النهج فى نشر الشائعات، واستنادها للعلم، فنسأل بدورنا: أين الحكومة ومؤسساتها المعنية، والبرلمان والإعلام من إقرار تشريعات قادرة على إحباط مثل هذه الحرب الكارثية، وتحصين المجتمع تحصينًا قويًا، كون نار الشائعات إذا اشتعلت فإنها تحرق الأخضر واليابس، وتدمر خيوط تماسك وحدة المجتمع، وتزلزل أمن واستقرار الوطن؟!
ولك الله ثم جيش قوى وشعب صبور يا مصر!