خطة بسيطة وعبقرية، لكنها لا تخطر على بال الشيطان نفسه، خلاصتها، أن الدول الاستعمارية الكبرى كانت تتكبد خسائر فى الأرواح والأموال حتى تستطيع السيطرة على الدول والشعوب التى تملك ثروات طبيعية أو موقعا جغرافيا متميزا أو تقع فى الممرات الحيوية الإقليمية، وبعد حربى العراق وأفغانستان تحديدا، فكر قادة هذه الدول الاستعمارية فى وسائل تجنبهم التكاليف الباهظة للحروب الضرورية من وجهة نظرهم، فكانت الثورة العسكرية فى الأسلحة الموجهة عن بعد والروبوتس المحاربين والعدوان على البلاد المستهدفة من الفضاء الخارجى.
لكن هذه الموجة الجديدة من الأسلحة الحديثة ومحاولة الاستغناء عن العنصر البشرى فى الحروب، كبد الدول الاستعمارية أيضا اعتمادات هائلة فى البحث العلمى والتكنولوجيا، وبدأ القادة يفكرون فى حلول أخرى انطلاقا من فرضية عنصرية بغيضة وهى هل يستأهل الهمج الموجودون فى العالم الثالث وأمريكا اللاتينية أن نرصد من أجل غزو أراضيهم كل هذه الميزانيات فى البحث العلمى وتطوير الأسلحة الحديثة؟
وانطلاقا من هذا السؤال الذى أجاب عنه قادة الدول الاستعمارية بالفعل ، بأن الشعوب الهمجية والمتخلفة فى العالم الثالث لا تستأهل أن نرصد من أجل غزو أراضيها كل هذه الميزانيات الضخمة المخصصة لتطوير الأسلحة والروبوتس المحاربين حتى نحمى جنودنا، وبالتالى لابد من التفكير فى حلول أخرى، فماذا كانت طبيعة هذه الحلول؟
اعتمدت حلول الدول الاستعمارية على تصميم نوع من الحروب الحديثة، تقوم على أن تدمر الشعوب المتخلفة فى العالم الثالث بلادها بأنفسها، وأن تدفع من ثرواتها تكلفة هذه الحروب أيضا، وعندما تعم الفوضى فى هذه البلاد من جراء الحروب الأهلية والنزاعات الدامية وعمليات التدمير المتبادلة بين المجموعات التى كانت تمثل الشعوب، عندها تتدخل الدول الاستعمارية وتعلن قطف الدول مثل الثمار التى طابت على أشجارها وسقطت على الأرض دون أن يسقطها أحد!
السؤال الآن، كيف يمكن دفع دول مستقرة إلى أن تدخل حربا أهلية مدمرة؟ كيف يمكن أن نمزق نسيج مجتمع متعايش؟ كيف يمكن أن نجعل دولة ناجحة فى مصاف الدول الفاشلة؟ كيف نضع أيدينا على الثروات الموجودة فى هذا البلد أو ذاك دون أن ندفع سنتا واحدا؟
الإجابة الشيطانية كانت بأن ندفع الشعوب لتدمير أنفسها بالشائعات وبالكراهية وعدم التسامح وفقد الأمل وتفتيت الانتماء واليأس من المستقبل، وصناعة التطرف وإطلاق الطاقات الشريرة فى النفوس، ولنبدأ بالنظر فى عناصر هذا المجتمع وتفكيكها إلى مكوناتها الأولى، مسلم ضد مسيحى، وشيعى ضد سنى، وبحراوى ضد صعيدى، وقاهرى ضد نوبى، وبدوى ضد صعيدى، مع نشر أكبر قدر من الأسلحة الصغيرة وإشعال عدد من النيران الصغيرة فى مناطق متفرقة من البلاد، كأن نقتل مجموعة من المسيحيين أثناء الصلاة فى الكنيسة أو مجموعة من المسلمين أثناء الصلاة فى الجامع، ونلصق الاتهام بالطرف الآخر، وهكذا تندلع النيران فى بلد كان آمنا متماسكا، وتبدأ المجموعات المسلحة فى الظهور وإعلان السيطرة على مناطق مثل رابعة والنهضة أو إمبابة أو المنيا، وتبدأ موجات المشردين والنازحين من البلد إلى البلاد المجاورة.
وتدريجيا تسقط الدولة فى مستنقع لا تنهض منه، وإذا حاولت القيادات الوطنية التدخل لإنقاذ البلد تتهم بالديكتاتورية والتسلط والاستبداد، وتنفتح عليها موجات الانتقاد من جانب منظمات حقوق الإنسان الدولية، وتصدر بيانات التحذير من وزراء خارجية الدول الاستعمارية الكبرى التى تدعم أصلا الجماعات المسلحة وعصابات التكفيريين لتفتيت البلد وإسقاطه.
هل تشعرون أنكم رأيتم هذا المشهد من قبل؟ هل تشعرون أنه كان قريبا منا فى مصر جدا؟ احمدوا ربنا أن للبلد ربا يحميه، ومواطنين حريصين على أمن بلدهم، ورجالا يضحون بحياتهم من أجل السهر على حمايته.