الإخوان والنشطاء والبعض من الذين أبهرتهم صور الأبيض والأسود لكوبرى قصر النيل، وثلاثة شوارع فى وسط القاهرة، وجمالها، وصور البشوات والبكوات والأمراء، ومصطلحات «بنسوار يا هانم ونهارك سعيد وأفندينا والبرنس فلان والباشا والبك علان»، فجأة، يتباكون على عصر الملكية، ويلطمون الخدود، ويشقون ملابسهم نصفين ألما ووجعا، وكأن كل جماعة الإخوان والنشطاء وأدعياء الثورية من أبناء الأمراء والبشوات والبكوات والأعيان أصحاب العزب..!!
هؤلاء جميعا، وشلة المتعاطفين «عمال على بطال دون إدراك» والمانحين لعقولهم إجازات، تناسوا أن أكثر من %95 من الشعب المصرى كانوا فقراء فى تلك العصر، لا يجدون قوت يومهم، ويعملون فى الوسية، وفى أراضى الأمراء والباشوات والبكوات والخواجات، تحت نيران الكرابيج.
أبناء %95 من الشعب المصرى كانوا لا يجدون علاجا فى مستشفى، أو إلحاق أبنائهم فى التعليم، وأن التعليم والعلاج قاصر فقط على أبناء البشوات والبكوات، ولم يكن هناك سوى كوبرى قصر النيل وبعض شوارع وسط القاهرة والمناطق المحيطة بالقصور الملكية، تنعم بنظافة وخدمات متميزة، ولم نجد صورا إلا لهذه المناطق التى لا تتجاوز مساحة قرية من المساحة الكلية لجمهورية مصر العربية..!!
ناهيك عن اندثار الطرق والكبارى ووسائل النقل الآدمية، اندثار الديناصورات من كوكب الأرض، وإذا ساقتك الأقدار وقررت الذهاب من القاهرة إلى قنا أو أسوان حينذاك، واستقللت قطارا، فلك أن تتخيل جحيم السفر، والوصول بعد ثلاثة أيام، وإذا بحثت عن طيران، أو أتوبيسات، فكأنك تبحث عن «الرخ والعنقاء»..!!
ونسأل كل مبسوط بعصر الملكية، سؤالا: هل تستطيع أن تمدنا بمعلومات عن عدد المدارس فى المراحل المختلفة والجامعات فى كل محافظات ومدن وقرى مصر، وهل لك أن تمدنا بمعلومات موثقة عن عدد المستشفيات والوحدات الصحية حينذاك؟ وكم مدينة وقرية ونجع تم توصيل التيار الكهربائى لها؟ وهل ننسى كم الحرائق والموتى خنقا من دخان لمبات «الجاز» التى كانت الوسيلة الوحيدة التى تكافح ظلام الليل الدامس؟! وهل ننسى عدم وجود مياه شرب فى أطراف القاهرة والإسكندرية، فما البال بالمدن والقرى فى المحافظات المختلفة، حيث كان الاعتماد على «السقا» فى جلب مياه الشرب للأغنياء، أما الفقراء فكانوا يذهبون إلى نهر النيل لجلبها فى بلاليص؟!
ونسألهم أيضا: هل تمدنا بمعلومات ووثائق عن أن مصر كانت تستدين بريطانيا بملايين الدولارات فعليا، وأن هناك غطاء ضخم من الذهب وكم كان وزنه؟!
الإجابة صادمة، ولن تقنع أو تدهش كل متباكى على عصر الملكية، رغم أن قناعتهم مستمدة من شهادات شخصيات كانت معارضة للثورة، وعندما تحدثهم عن مآسى المصريين واستعبادهم إبان عصر الملكية، تتعرض لحملة هجوم وتشويه ممنهجة، واتهامك بأنك تستمد معلوماتك من كتب التاريخ ومذكرات الضباط الأحرار ومؤيديهم، وأن التاريخ بشكل عام يكتبه المنتصرون، وتاريخ العصر الملكى وما بعد ثورة يوليو، بشكل خاص، مزور، وتخلله الباطل من جميع الجهات الأربع، ولا يمكن الاعتداد به، وهو أمر يثير الحنق والغيظ الشديد، ونهج عفن لسياسة الكيل بمكيالين، مكيال يرونه شريفا طاهرا عندما يتحدث عن الإيجابيات العظيمة للعصر الملكى، ومكيالا يرونه فاسدا وكاذبا يتحدث عن سلبيات وفساد الملك ورجال بلاطه، ويمجد ثورة يوليو..!!
وللعلم، نقولها بالأرقام، لقد رحل قائد ثورة يوليو 1952 جمال عبدالناصر، واقتصاد مصر يفوق اقتصاد كوريا الجنوبية واليابان، ولم يكن هناك سنغافورة أو ماليزيا، كما بلغت قيمة القطاع العام من مصانع وشركات منتجة، تجاوزت مليارات الدولارات وفق تقديرات المؤسسات الاقتصادية الدولية، ومن بينها البنك الدولى، فقد بلغ عدد المصانع التى دشنها جمال عبدالناصر، وعصر ثورة يوليو 1200 مصنع، معظمها مصانع جوهرية منها مصانع الحديد والصلب ومجمع الألومنيوم بنجع حمادى، على سبيل المثال لا الحصر.
جمال عبدالناصر، قائد ثور يوليو، بنى السد العالى، أحد أبرز وأهم المشروعات التنموية والإنشائية والهندسية، ﻓﻰ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍلـ20 وفقا لتصنيف ﺍلأﻣﻢ ﺍﻟﻤﺘﺤﺪة، كما انخفضت نسبة الأمية بين الشعب المصرى من %80 قبل ثورة يوليو إلى %50 بعد الثورة، وكان للتعليم المجانى والجيد عقب الثورة، مفعول السحر، حيث دفع بعدد كبير من العلماء، قيمة وقامة كبرى، من عينة عالم الذرة الأشهر، يحيى المشد، وعالم الكيمياء أحمد زويل، ومصطفى السيد ومجدى يعقوب، وغيرهم من القامات التى أثرت العلم.
أيضا، استحدث التأمينات والمعاشات للعمال والموظفين بعد نهاية الخدمة، ثم من بعد، معاشات للفقراء والمحتاجين، وكان قبل الثورة يخرج العامل والموظف من الخدمة، لا يعرف كيف يواجه أعباء الحياة، فلا يتقاضى مليما واحدا، ولا يحصل على أية مكافآت، فمنحت له الثورة الأمل والأمان والاستقرار على أن يقضى بقية حياته معززا مكرما.
ورغم كل هذه الإنجازات، فإن جماعة الإخوان، والنشطاء، ومرضى النوستالجيا «الحنين إلى الماضى» بكل متاعبه ومصاعبه، يبكون على عصر الملكية، ويَحنون للفقر والعوز والسير حفاة القدمين، والحياة وسط ظلام دامس، ودون تعليم أو صحة، ويلعنون تحول مصر إلى جمهورية، أعادت الكرامة والكبرياء للمصريين..!!
ونطرح عليهم سؤالا: طالما تتباكون وتلطمون الخدود وتشقون الملابس وتعضون الأيادى ندما على عصر الملكية، فهل نجرى استفتاءً شعبيا بإلغاء الجمهورية وإعادة عصر الملكية، وننصب عبدالفتاح السيسى ملكا لمصر العظمى..؟! أترك لحضراتكم الإجابة.
ولك الله يا مصر...!!