"قَدْ جَاهَدْتُ الْجِهَادَ الْحَسَنَ، أَكْمَلْتُ السَّعْى، حَفِظْتُ الإِيمَانَ"، يقول القديس بولس الرسول فى رسالته لتيموثاوس، تلك الآية التى كانت عنوانًا لحياة الأنبا ابيفانيوس أسقف ورئيس دير أبو مقار الراحل، بعدما توفى فجر الأحد فى ظروف وصفت بالغامضة.
الأنبا ابيفانيوس الذى لقب بالزاهد المستنير كان بعيدًا عن أعين الإعلام، حتى أن الكثير من الأقباط لا يعرفونه سوى بالاسم وربما لا يعرفون شكله.
الأنبا ابيفانيوس بمؤتمر
ماذا قال الأنبا ابيفانوس عن الشهادة فى المسيحية؟
من بين أقوال الأنبا ابيفانيوس التى نشرتها الصفحة الرسمية للكنيسة: "مازالت الكنيسة تفتخر بشهدائها الجدد الذين يشهدون كل يوم للرب، سواء الذين قتلوا من أجل خدمة الكلمة أو الكرازة "البشارة"، أو الشهداء الذين قتلوا بسبب إيمانهم بالمسيح"، ولا يعرف أن كلماته قد تستخدم فى نعيه هو نفسه يومًا ما.
لم يطمح الأنبا ابيفانيوس فى أن يكون نجمًا من نجوم الوعظ فى الكنيسة، ممن يعتلون المنابر ويصرحون للصحف ويصدحون فى الفضائيات، بينما فضل البحث العلمى والإشراف على مكتبة الدير والترجمة من وإلى اليونانية حتى نهاية حياته، لذلك فإن حضوره وأهميته تبرز بين الأوساط العلمية والنخبة الكنسية أكثر من وجوده بين شعب الكنيسة.
ومن جانبه، قال القس الدكتور وجيه ميخائيل رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط بكلية اللاهوت الإنجيلية، إن الأنبا ابيفانيوس كان يدرس فى دبلومة التراث العربى المسيحى التى تدرس فى الكلية للطلاب من المسلمين والأقباط، فكسب محبتهم جميعا حتى أن تلاميذه يرغبون فى إطلاق اسمه على تلك الدفعة لتصير دفعة "الأنبا ابيفانيوس" بقدر محبته وما أثاره رحيله فيهم من صدمة.
يروى القس الدكتور وجيه ميخائيل موقفًا مع الأنبا ابيفانيوس يكشف عن تواضعه قائلا: "فى المؤتمر الدولى الخاص بمرور 150 سنة على إنجاز ترجمة ڤاندايك، دعوتُ المتنيح سيدنا إپيفانيوس للحديث في الليلة الأولى، جاء الرجل قبل الميعاد، وكانت هيئته بهية وكلمته أكاديمية بامتياز، وفى الليلة الثانية جلس سيدنا فى آخر صف فى القاعة، ذهبت إليه ورجوته مرارًا أن يجلس فى الصفوف الأمامية، فرفض طلبى بشدة، وقال: "امبارح أنا كنت متكلم النهاردة أنا جيت عشان أتعلّم."
الأنبا ابيفانيوس بكلية اللاهوت الإنجيلية
أما الدكتور مصطفى الفقى مدير مكتبة الإسكندرية، فقال إن الأسقف الراحل كان عالمًا جليلاً له مؤلفاته القيمة، وشرفت به المكتبة عضوًا بمجلس إدارة مركز الدراسات القبطية منذ تأسيسه؛ وأيضًا عضوًا باللجنة الفنية لمشروع إعادة إحياء كتب التراث، مضيفًا: "قدم الأسقف الراحل نموذجًا للعالم المتواضع والراهب الزاهد، الذى يشارك بدأب واجتهاد فى خدمة الوطن والثقافة.
ولفت الفقى، إلى آخر مشاركات الراحل الأنبا ابيفانيوس فى أنشطة المكتبة مساهمته القيمة فى ندوة العلاقة بين الدين والدولة، إلى جوار الدكتور شوقى علام مفتى الجمهورية وعددًا من المثقفين منذ شهور.
دير أبو مقار
بينما يشهد الكثير من محررى الملف القبطى الذين رغبوا فى الاقتراب من الأسقف الراحل أو إجراء حوارات معه رغبته فى الابتعاد عن الأضواء مع الترحيب بهم كأبناء له كأب راعى، وهو نفس ما حدث مع كاتبة هذه السطور إذ كان الأسقف الراحل حاضرًا فى المؤتمر الأخير لأصدقاء التراث العربي المسيحى بكلية اللاهوت الإنجيلية وطلبت منه إجراء حوار صحفى فما كان منه إلا أن ابتسم قائلًا: "أنا مليش فى الصحافة، ولكن أهلا بك دائمًا كابنة".
الأنبا ابيفانوس
كان المتحدث الرسمى باسم الكنيسة القبطية قد أعلن فى بيان له، أن ملابسات غامضة أحاطت بوفاة الأنبا ابيفانيوس أسقف ورئيس دير الأنبا مقار العامر، الذى رحل عن عمر ناهز الـ64 عاما قضاها فى خدمة العلم والكنيسة، ومن المنتظر أن تصلى صلوات الجنازة على روحه فى تمام الساعة الثانية عشر من ظهر غدا الثلاثاء بمقر دير القديس الأنبا مقار ببرية شيهيت بوادى النطرون.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة