قلبى يخفق، ألم فى ذراعى، دوار و"مش شايفة قدامى"، أشعر فجأة بشلل مفاجئ فى كل أنحاء جسدى.. وتصرخ "أنا بموت"، مشهد مبسط يتكرر يوميا بأشكال عدة فى حياة بعض الأشخاص، ليعيشوا لشهورا وقد تصل لسنوات فى دوامة الخوف من المرض الذى لن يأتيهم أبدا، لكنه يقتلهم يوميا.
لا تستهن بهؤلاء، لا تتفه من معضلتهم، فهم بالفعل مرضى، لكنه ليس مرضا عضويا بل هو نفسى بحت، مرضهم فى عقولهم واضطرابهم صور لهم أنهم علي الدوام عرضة للعدوى والأمراض التى ستنهى حياتهم بشكل مأساوى، فبالتأكيد أنك قابلت يوما شخص مقرب يخاف من العدوى فلا يعانق ولا يقبل ولا حتى يلقى التحية على أحد حتى لا يمرض، أو قابلت سيدة تغسل يديها بشكل هيستيرى كى لا تطال الجراثيم بشرتها النظيفة، أو تجد صديقا كان "زى الفل" ثم فجأة زاره مرض ما ومن بعدها أصبح لديه خوف دائم من معاودة المرض له، أو من تفاقمه.
هؤلاء هم مرضى التوهم المرضى، يسميهم العلم بهذا الإسم، وتطلق أنت عليهم أصحاب "هسهس المرض"، هذا المرض توصيفه البسيط أنه صورة من صور الوسواس القهرى الشهير، الذى تتعدد صورة وأشكاله، لكن وسواس المرض والخوف من العدوى هو أشهرهم.
وسواس المرض
نادية ورثت الخوف من المرضة لبنتها..والنظافة هاتموتها
"تدخل منزلها فتجد كل قطعة أثاث متراصة فى مكانها السليم، لا خطأ، لا مفرش منكوش، ولا لعبة مرمية، ولا وجود للغبار فى هذا المنزل اللى بيبرق.. الأرض لامعة لدرجة أنك تخجل السير عليها بأقدامك التى لابد وأنها ليست بهذا القدر من النظافة".
صاحبة المنزل البراق سيدة أربعينية فى أبهى صورة، ملبسها يشع نظافة، وتنبعث منها رائحة جميلة، مفيهاش غلطة، ولكن خلف هذا المظهر المثالى تقول نادية -"اسم غير حقيقى" - واصفة مأساتها، :"أعانى من وسواس نظافة، كل من حولى ينعتوني بأننى "مش طبيعية"، لا أطيق الغبار، أجن إذا وجدت ذرة من التراب، المنزل إذا اتسخ أشعر بالعصبية والاكتئاب الشديد وأظل أنظف مهما تكلف مني وقت أو مجهود، أخاف جدا من العدوى فالأماكن المتسخة هى منبعها، عانيت من فترة من الإصابة بأرتيكاريا نتيجة الحموم الدائم وغسيل الأيدي والجسم، وللأسف إحدى بناتى ورثت عنى هذا الأسلوب، فحياتنا عبارة عن مجهود دائم نشعر خلاله أننا "منهكين"، خائفين من المرض والإتساخ منعزلين عن باق البشر وعلاقتنا الاجتماعية تأثرت كثيرا.
"ندى" معقدة من جرح العملية.. صارفة فلوسها على الفحوصات.. وبتعاقب نفسها بالأيام لو زادت كيلو
تعيش مع مخاوفها التى لا تنتهى، تموت يوميا بسبب خوفها من تكرار تجربتها مع المرض، "ندى" -اسم مستعار- تبدلت بعد وعكتها الصحية التى أصابتها منذ عام، ومن بعدها أصبحت "واحدة تانية"، وعلي حسب تعبيرها "الجحيم ابتدى"، قائلة:"عملت عملية مؤخرا فى الغدة، الجرح عاملى عقدة، وكل ما أبصله أخاف يجيلى المرض تانى وأضطر أعمل عملية تاني"، وكانت ندى قبل إجراء العملية زائدة فى الوزن إلى أن فقدت نصفه بعد الجراحة نتيجة انضباط عمل الغدة، فتقول "لو كلت أكلة تقيلة بعاقب نفسى بأنى ماكلش لأيام عشان عندى هسهس من التخن مرة تانية أو إن الغدة ترجع تضطرب بسبب وزنى، أوقات بحس بأى عرض بسيط زى الإرهاق.. بجرى أعمل فحوصات وتحاليل كتيرة وكلها سليمة بس مبرتاحش غير لما بعملها".
وسواس المرض
"منة" اتعالجت.. بعد ما كانت إيديها بتجيب دم من غسيلها
"كنت كالمجنونة، الصابونة القاتلة للجراثيم، والليفه الخاصة بي، هي أهم أدواتى اليومية، أغسل يدى بالمياة والصابون والليفة ولا أكتفى، بل أختم هذا المشهد بفتح المياه الساخنة على يدي كى أتاكد -كما كنت أظن- من موت البكتيريا والجراثيم التى تعيش فى يدي وجسمى، كما كنت أيضا أعتقد"، منة فتاة ثلاثينية كانت تعانى تلك الحالة المرهقة منذ سنوات، ولم تكن تدر أنها حالة مرضية حتى وجدت يديها تدريجيا تتشقق وتنزف الشقوق دماء، هنا أدركت الأزمة ولجأت لاستشارة مختص كان لها العون في نصحها بأن ما تمر به ناتج عن فترة من الضغوط تعيشها بالفعل، ونصحها بالتوقف، فتوقفت،: وتقول " كلما أتذكر ما كنت أفعله بنفسى فى الماضى أتألم، فقد كان اختبارا مؤلما ولكنه انتهى".
وسواس المرض 5
الأطباء : لابد من العلاج السريع..البطئ يعني التدهور والعيش مريضا طوال العمر
أما عن رأى الطب النفسي فى هذا الاضطراب، فيظهر من تعليق الأطباء النفسيين علي هذه الأعراض الوسواسية، فيبدأ الدكتور أمجد العجرودى، استشاري الطب النفسى، حديثه عن توهم المرض بنصيحة مفادها "لاتمارضوا فتمرضوا"، فالبحث وراء وسواس المرض والاعتقاد بأنك مريض لا محالة بمرض خفي الأطباء عاجزين عن كشفه، هو مجرد وسواس، قد تصل بك حد الإصابة بالأمراض فعلا، خاصة النفسية منها نتيجة قلقك الدائم، هذا القلق يوقف مسيرتك وتقدمك فلا تستسلم.
وفي الصدد ذاته، وعن أسباب الإصابة فجأة بهذا التوهم المرضى، يقول الدكتور جمال فرويز، أستاذ الطب النفسي بالأكاديمية الطبية، إن الشخصية الوسواسية قد تظل لا تعانى من مشكلة ملحوظة حتى تتعرض إلي ضغوط ما فجأة تظهر عليها أعراض وسواسية مثل وسواس المرض وغيرة، فإذا تعرضت الحالة لوضع حياتى ضاغط، كالإصابة بمرض ووعكة مفاجئة او تعرضت لضغوط نفسية فى التعليم أو العمل، قد تظهر هذه الأعراض واضحة فجأة.
العلاج
والجميل فى الشخصية الوسواسية التى تعانى توهم المرض حسب "فرويز"، أنها عالمة جيدا بأنها تعانى من مشكلة وهذه المشكلة تزعجها بشدة، ولكنها لا تستطيع إيقافها وحدها، ولابد من المساعدة الطبية النفسية المتخصصة، لإيقاف هذا الزحف الوسواسى.
وتابع أستاذ الطب النفسى ناصحا المريض الذى يجد فى نفسه تلك الأعراض الوسواسية، بضرورة العرض على مختص للمساعدة السريعة، فالوقت يفرق فى علاج مرضى التوهم، وعدم علاجهم مبكرا يعنى مشكلات وأمراضى نفسية متدهورة وصعوبة بالغة وقلة فى فرص العلاج.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة