يعرف التاريخ قيمة مدينة بورسعيد، وكل المصريين يعرفون نضالها، وأبناؤها أيضًا يعرفون ذلك، ومن أجل هذا بدأ ياسر نبيل روايته «المارينايو»، الصادرة عن «بيت الياسمين»، بمقولة الروائى الإنجليزى روديارد كيبلنج «إذا أردتم ملاقاة شخص ما عرفتموه وهو دائم السفر، فهناك مكانان على الكرة الأرضية يتيحان لكم ذلك، وما عليكم إلا الجلوس وانتظار وصوله عاجلًا أو آجلًا، هما لندن وبورسعيد»، ولعل هذا ما حدث مع سيد سليمان العطار، الذى ظل طوال حياته فى انتظار حبيبته «جلوريا»، ابنة الخواجة روبرتو زانيتى.
الحكاية أقدم من ذلك بكثير، إنها حكاية صديقين مختلفين حد التناقض، فقط الأخوة والصداقة هى التى جمعت بينهما، الأول يسمى سليمان العطار، قل فى انفلاته وعدم مسؤوليته ما تشاء، والثانى هو حسن الصياد، قل فى وعيه وإدراكه ما تشاء أيضًا، لكنهما جناحان لحياة واحدة، ما كانت مدينة بورسعيد ولا أى مدينة أخرى تستطيع أن تستمر فى حياتها سوى بهاتين الشخصيتين.
الرواية ترصد حكايات «حسن» و«سليمان» منذ عام 1948، منذ كانا يعملان بمبوطيين، وبعد ذلك مصورين فى استوديو «فينيسيا» لصاحبه الخواجة زانيتى، حتى صار ملكهما بعدما ترك الخواجة مصر، حاملًا معه ابنتيه «إيلين» و«جلوريا» وأمهما، وبينما كان حسن الصياد يلوح للخواجة الذى يركب السفينة، كان «سيد»، ابن سليمان، يلوح بشدة وهو متأثر جدًا للصغيرة «جلوريا»، بينما غاب «سليمان» ولم يأت لتوديع الخواجة، مدعيًا أنه كان بحضرة ابنه المريض «عبدالله» عند طبيب روسى كبير يزور المدينة، ويومها حذر الخواجة «حسن» من «سليمان»، وقال له: «خد بالك منه يا حسن، سليمان أنانى ما بيفكرش غير فى نفسه وبس»، لكن حسن الصياد لم ينتبه.
الرواية تحكى عن المدينة الباسلة بور سعيد، فى رصد فنى لكل التواريخ المهمة فى أيامها، هذه المدينة التى صار قدرها أن تتحمل الكثير من أجل الوطن، فلدينا تواريخ خطيرة تذكرها الرواية وتقوم عليها، منها 23 يوليو 1952، 23 يوليو 1954، 1956، 1967، 1973، وسنوات أخرى كثيرة، وأيام عظيمة، خاصة بعد العدوان الثلاثى، الذى انتفضت فيه المدينة بأطفالها ورجالها فى مواجهة الاحتلال الغاشم، بينما كان سليمان العطار يتسلل بين النساء والأطفال خارج أسوار المدينة، تاركًا ابنه الطفل «سيد» يسير فى شوارع المدينة الملتهبة مؤديًا دوره بين الفدائيين.
الرواية تحب «سيد» وتسميه «المارينايو/البحار»، وتؤكد أن أمه «نعيمة» حققت حلمها فى تربيته، بعيدًا عن شجرة «سليمان» الحزينة، ويصبح الأمر كأن الحكاية حكايته منذ البداية، منذ أن تأنق وذهب إلى الاستوديو وجلس أمام عمه حسن الصياد كى يلتقط له صورة المدرسة.
نعم الرواية حكاية صديقين وعائلتيهما، لكنها أكبر من ذلك، إنها حنين كبير إلى عالم جميل، وإلى حياة قديمة كانت فيها المدينة «مشتعلة» بالجمال والحرب والأحلام.