د.أيمن رفعت المحجوب

الحياة سفينة

الجمعة، 17 أغسطس 2018 02:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
  إن الدين الإسلامى إذ يمنح الحرية الفردية فى أجمل صورها، والمساواة الإنسانية فى أوسع معانيها، فإنه لا يتركها فوضى، فللمجتمع حسابه، وللإنسانية اعتبارها، وللأهداف العليا للدين قيمتها.
 
لذلك يقرر مبدأ التبعية الفردية، وفى مقابل الحرية الفردية، ويقرر إلى جانبها التبعية الاجتماعية التى تشمل الفرد والجماعة بتكليفها، وهذا ما ندعوه أو نعرفه بـ"التكافل الاجتماعى"، فالإسلام يقرر مبدأ التكافل فى كل صوره وأشكاله، فهناك تكافل بين الفرد وذاته، وبين الفرد وأسرته القريبة، وبين الفرد وأسرته البعيدة، والجماعة وبين الأمة والأمم، وبين الجيل والأجيال المتعاقبة .
 
فتكافل الفرد مع ذاته مؤداه أن ينهاها عن شهواتها وأن يزكيها ويطهرها، وأن يسلك بها طريق الصواب والنجاة، وألا يلقى بها إلى التهلكة "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة" (البقرة 195).
 
والتبعية الفردية كاملة، فكل إنسان وعمله، وكل إنسان وما كسب لنفسه من خير أو شر، ومن حسنة أو سيئة: "كل نفس بما كسبت رهينة" (المدثر 38).
 
"لا يكلف الله نفساً إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت" (البقرة 286).
 
أما تكافل الفرد وأسرته القريبة، فإن قيمته فى محيط الأسرة إنه قوامها الذى يمسكها، والأسرة هى اللبنة الأولى فى بناء المجتمع، وهى تقوم على الميول الثابت فى الفطرة الإنسانية، وعلى عواطف الرحمة والمودة، ومقتضيات الضرورة والمصلحة . 
 
ومن مظاهر التكافل العائلى الواضحة فى الإسلام، ذلك التوارث المادى للثروة، وهذا النظام الذى شرعه الإسلام، مظهر من مظاهر التكافل بين أفراد الأسرة الواحدة، وبين الأجيال المتتابعة، فوق إنه وسيلة من وسائل تفتيت الثورة لئلا تتضخم تضخماً يؤذى المجتمع.
 
 وهناك تكافل من نوع آخر بين الفرد والجماعة، وبين الجماعة والفرد، يوجب على كل منهما تبعات، ويرتب لكل منهما حقوقا، فكل فرد مكلف أولا أن يحسن عمله ويجوده، وإحسان العمل عبادة لله، لأن ثمرة العمل الخاص ملك للجماعة وعائدها على المجتمع كله، ففى النهاية كل فرد مكلف أن يرعى مصالح الجماعة رعاية الحارس لها، الموكل بها. فالحياة سفينة فى خضّم، والراكبون فيها جميعاً مسئولون عن سلامتها، وليس لأحد منهم أن يخرق موضعه منها باسم الحرية الفردية وليس هناك فرد معفى من رعاية المصالح العامة، فكل فرد راع ورعية فى المجتمع، والتعاون بين جميع الأفراد واجب لمصلحة المجتمع، فى حدود البر والمعروف: "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان، (المائدة2).
 
والأمة مسئولة عن حماية الضعفاء فيها، ورعاية مصالحهم وصيانتها، فعليها أن ترعاهم رعاية كاملة وكذلك مسئولة عن فقرائها ومعوزيها وأن تقدم لهم من المال ما فيه الكفاية، فتناقض أموال الزكاة وتنفقها فى مصارفها، فقد جاء فى الحديث الشريف: "أيما أهل عرصة أصبح فيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمة الله تبارك وتعالى". فالأمة كلها جسد واحد، يحس إحساس واحد، وما يصيب عضواً منه يشتكى له سائر الأعضاء وهكذا بغرض الاسلام التكافل الاجتماعى فى كل صوره وأشكاله، تمشياً مع نظرته الأساسية إلى وحدة الأهداف الكلية للفرد والمجتمع، وفى تناسق الحياة وتكاملها، فيدع للفرد حريته كاملة فى الحدود التى لا تؤذيه، ولا تتعارض مع مصلحة المجتمع، كما يقرر للجماعة حقوقها ويترتب عليها أهدافها العليا التى يخدمها الفرد وتخدمها الجماعة فى وقت واحد.
 
 وعلى ما سبق من التحرر الوجدانى المطلق، والمساواة الإنسانية الكاملة، والتكافل الاجتماعى الوثيق، تقوم "العدالة الاجتماعية" وتتحقق معها "العدالة الإنسانية".
 
• أستاذ الاقتصاد السياسى والمالية العامة – جامعة القاهرة
 
 









مشاركة

التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

رياض الشعب الاصيل...

السفينه ..

راءع يا دكتور ... بس السفينه لها دفه ولا مبلطه في مهب الريح ....

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة