الانبا ارميا

"ساعة مضبوطة"

الجمعة، 17 أغسطس 2018 08:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

قلت: الثقة الأولى التى علينا أن نعيها ونُدركها فى داخلنا هى الثقة بالله، وأيضًا الثقة بالخير العائد لا محالة، وإن أحكم الظلام إسدال ستائره فستبددها إشراقة الخير. هل سمعت قبلاً أن أحلك ساعات الظلام هى التى تسبق ميلاد شمس يوم جديد؟! قال بنبرات تمتلئ بالحزن: أقر بأننى لا أملِك هذه النظرة الإيجابية نحو الحياة، فما أراه من أحداث حولى يَزيد من اقتناعى أن الخير رحل عن العالم فى رحلة طويلة لا أرى لها نهاية!

 

فى تلك اللحظة شعرت بآلام تسرى خُلسة فى أعماقى، فما أصعب أن يفقد الإنسان ثقته بالخير! حاولت أن أجمع أحرفى وكلماتى علها تبدد تلك المشاعر التى يعيشها كثير من البشر، إذ ليست تلك هى المرة الأولى التى تتردد على مسامعى تلك الأنات التى تتسلل بين الكلمات، ثم قلت : إن الخير، يا صديقى، لا يرحل ولا يختفى؛ وهو أيضًا قوى صامد أمام الشر على مدار آلاف من السنين عبرت بالبشرية، ولكن - كما كتب أحدهم : "الشر ليس قويًّا كما يبدو أول وهلة، لكنه يستميت فى سبيل أن يقنعنا بهذه الفكرة" ! 


 

إن الخير فى المقام الأول يرتبط بالله صانع الخيرات، وأيضًا هو ما سوف يثبُت فى النهاية. أسرع بكلماته: متى ؟! متى سيتحقق ذلك ؟! أجبته وابتسامة تعلو وجهى : يوم أن يُدرك الإنسان أن الخير هو ما يتبقى له، وأنه - كما ذكر الفيلسوف الكاتب " ڤولتير" - أفضل عبادة يمكن أن يقدمها إلى الله، عندما يرى الإنسان أن الخير ليس واجبًا يقوم به، بل هو طريق إلى تحقيق سعادته هو شخصيًا أولاً، عندما نستمر فى صنع الخير ولا نتوقف عنه. أعجبتنى كلمات للمفكر السياسى الأيرلندى "إدموند بورك": "الشىء الوحيد الذى يجعل الشر ينتصر هو أن يظل الخير ساكنًا لا يفعل شيئًا"، أى أن يطرد الإنسان من أعماقه تلك السلبية التى عبّرت عنه الكاتبة المعجزة "هيلين كيلر" بقولها: "العلم قد وجد علاجًا لمعظم الشُّرور، ولكن لم يعثر على علاج لأسوأ شر: اللامبالاة فى البشر". فى المقابل، ثق أن الله يضبِط جميع أمور الحياة وفى الوقت المناسب؛ هذه حقيقة قد استوعبها كثيرون واختبروها؛ يقول الزعيم "غاندى" - الذى أمضى حياته فى النداء إلى الخير والسلام:  "العناية الإلهية لديها ساعة مضبوطة لكل شىء، لا يمكننا قيادة النتائج، يمكننا السعى جاهدين فقط"، ووضح أن "عدم التعاون مع الشر واجب لا يقل أهمية عن التعاون مع الخير". لقد حاولت الإبحار، يا صديقى، فى رؤية بعض الشخصيات التى عرَفها التاريخ للخير. 


 

أمر مهم آخر يجعلنى أتساءل: لماذا لا ترى الأعين ما يُصنع من خير بين البشر بعضهم لبعض؟! لماذا فُقدت الثقة بالإنسانية وبأن هناك من لم يتخلَّوا عن إنسانيتهم قط؟! نحتاج بشدة إلى استعادة الثقة بوجود الإنسانية داخلنا وداخل الآخرين: أن.. وللحديث بقية.

 



* الأُسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة