مفتى السعودية: المملكة خير أنموذج لمظهر اليسر وانتهاج منهج الوسطية الإسلامية
د.العيسى: محك السلوك في قيم الرحمة والسعة يكشف مستوى استيعابها ومصداقية العمل بها
مدير جامعة القرآن الكريم بالسودان يدعو لتأسيس مجتمع التآخي بإشاعة قيم إغاثة المنكوبين
أكد المشاركون فى مؤتمر "مفهوم الرَّحمة والسَّعة فـى الإسلام" الذى نظمته رابطة العالم الإسلامى فى منى بمكة المكرمة- على ضرورة تطوير آليات ووسائل وأساليب الخطاب الدينى مع المحافظة على ثوابت الهوية، بما يراعى فوارق الزمان والمكان والأحوال، ويتلاءم مع راسخ الإسلام، ويعالـج مشكلات المجتمعات المعاصرة.
جاء ذلك فى البيان الختامى للمؤتمر الذى اختتم أعماله، بمشاركة 500 عالم ومفكر مَثّلوا علماء الأمة الإسلامية من 76 دولة حول العالم، حيث أكد المؤتمر فى توصياته.
ودعا المؤتمر، لإقرار مادة القيم الإسلامية والمشتركات الإنسانية كمتطلب أكاديمى لجميع التخصصات فى الجامعات العربية والإسلامية؛ مشدداً على ضرورة تشـجيع البحوث والدراسات الـتى تؤصل لمبدأ الرَّحمة والسَّعة فـى الإسلام وتبـرز أهميته، وتسعى للتعريف به ونشره؛ ولافتاً إلى أن الرَّحمة والسَّعة هما الميزتان الأكثر تأثيراً فى الأحكام الإسلامية، وبها أصبحت منظومته الأخلاقية مختلفة تماماً عن المنظومة النفعية.
وذكَّر المؤتمر أن الإسلام برحمته الواسعة والشاملة وتجربته الحضارية الفريدة ومرونته الـمشروعة، يـنسجم زماناً ومكاناً ويـتعايش ويـتعاون مع الجميع بشهادةِ واقعاتِ التاريخِ الموثقة لا المنتحلة على الإسلام والمسلمين؛ موصياً بإبراز جوانب الرَّحمة والسَّعة فى الإسلام، وذلك بالتصدى لكل من ضيّق على الناس فى دينهم ومعاشهم، وكل من فَتَنَ بعضهم ببعضٍ بفاسدِ أفكارهِ ومُتطرفِ أقوالهِ وأفعالهِ، فأشاع العداوة والبغضاء والكراهية.
وشدّد المؤتمر على ضرورة بيان أن بعضَ مظاهرِ الانفلات والفوضى المنتجة للقسوة والتشدد الـتى تعتـرى بعض بلدان الأمة المسلمة فى الوقت الحاضر لا تُعبِّـرُ عن تراثها الأصيل وتاريخها الحضارى الـممتد؛ مناشداً وسائل الإعلام بأنواعها المختلفة بأن ينتجوا ويبثوا برامج نوعية تهدف لتعزيز قيمة الرَّحمة فى الإسلام وإبرازها ودعوة العلماء والمتخصصين إلى إنتاج مواد إعلامية عن قيم الرَّحمة والسَّعة فى الإسلام لتعزيز حضورها التطبيقى فى متلازمة سلوكية.
وكان المؤتمر الذى افتتحه الأمين العام لرابطة العالم الإسلامى الشيخ الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى انطلقت فعالياته بكلمة لسماحة مفتى عام المملكة، رئيس هيئة كبار العلماء الرئيس العام للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ قال فيها أن الإسلام دين اختاره الله ليكون خاتمة الأديان السماوية وأشملها وأجمعها لمعانى الخير والإحسان والرحمة واليسر والسماحة والسعة للناس أجمعين، ولما جعل الله هذا الدين دين البشرية جمعاء إلى القيامة، جعل هذا الدين صالحاً لكل زمان ومكان ولمختلف البيئات والبلدان وفى جميع الأمصار والأقطار.
وتابع المفتى أن من السمات التى جعلت هذا الدين صالحاً لكل زمان ومكان ومقبولاً عند الناس على مر الزمان، أنه دين الرحمة واليسر والسماحة، ليس فيه تشديد، ولا تعسير، ولا تعنيت، بل رسالة اتسمت بالبشارة والتيسير والرحمة، حيث وصف النبى صلى الله عليه وسلم هذا الدين بأنه يسر، ونهى عن التشديد فيه.
ورأى المفتى أن الاختلاف فى العادات والبيئات له أثره حتى فى اجتهاد الفقهاء بناء على مراعاة كل فقيه لعوائد القوم الذى عاش بينهم، فأفتى بموجبها ومقتضاها مادام لا تخالف نصاً من كتاب أو سنة، ولا تنقض حكماً شرعياً، فاختلفت الاجتهادات والفتاوى بين الفقهاء المجتهدين بسبب ذلك، وغير ذلك من أوجه ومظاهر اليسر والسعة فى الإسلام، والتى لا تخفى على البصير واللبيب والناظر المنصف فى شريعة الإسلام وأحكامها وأصولها وقواعدها.
وأكد على أن من مظاهر رحمة الإسلام وسعته هى المعاملة الحسنة مع أهل الكتاب الذين اختاروا البقاء فى بعض ديار المسلمين، أو الذين دخلوها بعهد وأمان، فإنهم قد عاشوا فى ظل دولة الإسلام آمنين مطمئنين، يتمتعون بحقوقهم، ويمارسون شؤون حياتهم بكل يسر وسهولة، وقد حفظ لهم الإسلام دماءهم، وأموالهم، وأعراضهم، والمملكة خير أنموذج لمظهر اليسر وانتهاج منهج الوسطية الإسلامية، حيث كانت قبلة لجميع المسلمين، بل ولغير المسلمين ممن دخل فى عهد الدولة وأمانها ليعيشوا على أرضها ويمارسوا أعمالهم بكل أمان واطمئنان وراحة بال.
وثمن المفتى فى ختام كلمته جهود المؤتمر المبارك للخروج بنتائج إيجابية ومرضية، كما شكر الأمين العام لرابطة العالم الإسلامى الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى، وسائر العاملين فى إدارات ومكاتب رابطة العالم الإسلامي، والمشاركين فى هذا المؤتمر من علماء ومشايخ وباحثين على مشاركاتهم العلمية وأبحاثهم القيمة التى أثرت محاور هذا المؤتمر، وموضوعاته المختلفة.
بعد ذلك ألقى الأمين العام لرابطة العالم الإسلامى كلمة رحب فيها باسم رابطة العالم الإسلامى بالحضور العلمى والفكري، مضيفاً: أن محك السلوك فى قيم الرحمة والسعة يكشف مستوى استيعابها ومصداقية العمل بها، مضيفاً أن السعة أصل ثابت وقيمة عليا فى الإسلام، قيَّدها البعض "جهلاً أو غلواً" بالضرورةٍ أو الحاجة، حتى احتاط للحرام دون الحلال، فكان التضييق والعَنَتْ.
وقد تتابعت جلسات محاور المؤتمر حيث أوضح مدير جامعة القرآن الكريم بالسودان الدكتور أحمد سعيد سلمان، أنه مما يناسب هذا المقام أن أقول شيئاً فى حق هذه المملكة وفى حق رابطة العالم الإسلامي، وهو التقدير مع الدعاء بالتوفيق والتأييد لخادم الحرمين الشريفين وولى عهده والتقدير للشعب السعودى الأصيل على بذل الكثير لضيوف الرحمن وهم يؤدون نسكهم فى سهولة ويسر. والتقدير لرابطة العالم الإسلامى وأمينها العام.
وتابع قائلاً: "لقد رأينا هذه الرابطة فى أصقاع الدنيا. هذا العمل الكبير لم يأتِ من فراغ وله دلالات عدة. الدلالة الأولى هى صدق النية وإخلاص العمل لله عز وجل؛ والثانية هى الرؤية الواضحة للمنظمة والقائمين عليها فى بلوغ أهدافها وآمالها؛ والثالثة هى النهج العلمى فى التخطيط؛ والرابعة هى الإرادة والتوكل على الله عز وجل؛ والدلالة الخامسة هى الهمة العالية للقائمين على هذه المنظمة، الذين يحملون النفس حملاً إلى غاية كمالها من العلم والعمل".
ودعا مدير جامعة القرآن الكريم إلى تأسيس مجتمع الرحمة والتآخى بإشاعة قيمة الرحمة فى المجتمع وإغاثة المنكوبين والملهوفين.
فيما تحدث الدكتور هارون الرشيد أيوب عميد كلية أصول الدين بالجامعة العالمية الإسلامية فى إسلام آباد منوهاً بفكرة المؤتمر مشيراً إلى أن الأصل فى معاملة الإسلام لسائر الناس هو الرحمة والإحسان، وذلك لأنه الله عز وجل حصر علة إرسال النبى صلى الله عليه وسلم فى الرحمة وجعلها شاملة للعالمين وليست خاصة بالمسلمين وحدهم، وليأمر المؤمنين بفعل البر والقسط لمن لم يتقدم إليهم بعدواة فى الدين أو آخر اج من الديار، بل دعاهم إليه بذكره أنه يحب المقسطين.
وختم الدكتور كلمته بالتعبير عن تقديره للجهود العظيمة التى تُشكَر عليها المملكة وتُشكَر عليها الرابطة بقيادة الشيخ الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى، قائلاً أن جمهورية باكستان الإسلامية بصفة عامة والجامعة الإسلامية العالمية فى إسلام أباد بصفة خاصة تستفيد وتقتدى بهذه الجهود القيمة.
كما تحدث الدكتور محمد بلحسان، رئيس شعبة الدراسات الإسلامية بجامعة أبن طفيل بالمغرب، قائلاً أنه لما أشرق نور الإسلام تجلى عصر الرحمة، وأظل زمن الرأفة والرقة، فتحررت الإنسانية من سلطان القسوة والغلظة.
ولفت إلى أن الناظر فى المصدرين الأصليين للإسلام (القرآن والسنة، ومصادر التشريع عموماً، وتاريخ الأمة، وفكرها، وثقافتها، وآدابها، وعادتها، وتقاليدها، يجد الرحمة حاضرة ومسيطرة على مفاصل الثقافة والفكر الإسلاميين، لا تغيب عنهما فى أى مجال من مجالات الحياة.
وختم بلحسان محوره بأن اختيار رابطة العالم الاسلامى لموضوع الرحمة والسعة فى الإسلام لمؤتمر الحج يعد اختياراً موفقاً، فهو موضوع الساعة يعالج أن شاء الله قضايا ملحة ويجلى بإذن الله رحمة الاسلام لكل العوالم على اختلاف أجناسها وألوانها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة