لدينا أنواع وأشكال مختلفة من أنظمة الصحة والعلاج، مستشقيات عامة ومركزية وخاصة ووحدات صحية، ومع هذا تظل الشكوى قائمة من سوء العلاج المقدم، وتسرب الميزانيات بسبب وجود ثغرات.
مشكلة الصحة والعلاج فى مصر مستمرة، وهناك محاولات دائمة لإصلاح المنظومة تنتهى إلى نفس الحال، ونحن نتحدث عن البدء فى تطبيق نظام التأمين الصحى الشامل بعد سنوات من التعطل والتأخر، ويبدو السؤال الدائم «هل النقص هو فى الإمكانات والأجهزة الطبية والأدوية أم فى القوى البشرية من أطباء وتمريض؟»، ونظل ندور طوال سنوات فى دوائر مغلقة.
خلال العام الماضى، نظمت الأجهزة الرقابية، من رقابة إدارية ونيابة إدارية، حملات على مستشفيات وزارة الصحة، كشفت عن تسيب وإهمال وترهل.. ويومها كشفت حملات الأجهزة الرقابية أن المستشفيات التى تكلفت مئات الملايين، وتم تجهيزها وتزويدها بغرف عمليات، لا تعمل، بسبب غياب الأطباء والتمريض، وربما مديرى هذه المستشفيات، وفى بعضها يتم نهب هذه المستلزمات باعتبارها «مال سايب».
كل هذا وغيره يؤكد أن الصحة والعلاج فى مصر لا يفتقدان إلى المال والإمكانات المادية.. لكن إهدار ما هو متاح من إمكانيات، وكشفت الحملات عن مبانٍ بمليارات، لكنها مغلقة.. وأجهزة حديثة فى المخازن.. وأدوية تتسرب ولا تذهب للمرضى، فضلا عن غياب الأطباء فى بعض الأحيان.
وبالتالى فإن نظام الإدارة هو الذى يؤدى إلى الدائرة المغلقة، وبالرغم من أنه لا يمكن التعميم على الجميع، فهناك أطباء يقومون بدورهم ومستشفيات تقدم ما تقدر عليه وفى بعض الأحيان تقدم المستشفيات العامة والمركزية خدمات أفضل من التى تقدمها المستشفيات الخاصة.
اللافت للنظر أنه لا يدور حديث حول أحوال العلاج والمستشفيات إلا ونكتشف أن من يعملون فى هذه المؤسسات يشكون من سوء توزيع الإمكانات والأجهزة الطبية.
هناك مستشفيات عامة ومركزية بها أجهزة أشعة مقطعية، ولا يوجد أطباء وفنيون لتشغيلها، والنتيجة أجهزة بملايين ملقاة بالمخازن، ونفس المستشفى ليس به أجهزة أشعة إكس المطلوبة للكسور والشروخ العادية وضحايا الحوادث، ويعجز المستشفى عن تقديم الخدمة المطلوبة بسرعة، بينما تبقى أجهزة بملايين غير مستغلة، وهى شكوى سمعتها من أكثر من طبيب فى مستشفى بسيون المركزى بالغربية، عن نقص أجهزة الأشعة العادية ووجود أجهزة حديثة لا يوجد من يشغلها، أجهزة الأشعة العادية إما غير كافية أو معطلة، أو أنها تعمل وليس هناك أفلام، وهو ما يجعلها معطلة، ونفس الأمر فيما يتعلق بالمعامل وباقى التجهيزات الطبية، وبالرغم من إنفاق ملايين على تطوير أجنحة وتوفير أجهزة أكسجين وتطوير المبانى، فإن بعض الإمكانات الضرورية غائبة مما يضيع أى جهود للتطوير.
وبالتالى يبدو الضعف ليس فى الإمكانات، لكن فى الإهدار وعدم معرفة الإمكانات والاحتياجات بشكل واضح، فضلا عن غياب الرقابة والإدارة. لدينا مبانٍ بمليارات ولا يمكن لمريض أن يجد علاجا لدور برد أو يجرى عملية زائدة أو لوز، ولا يجد مصاب فى الحوادث إسعافا، ويضطر المرضى للبحث عن مستشفيات عواصم المحافظات أو المستشفيات الجامعية والقاهرة، وهو ما يشكل ضغطا على هذه المستشفيات، بينما تضيع مئات المليارات فى الأرض، لأن مشكلة النظام الصحى ليست عجزا فى الإمكانات، لكنها عجز فى العقول، وإهمال، لا يتعلق بصغار الأطباء ولكن بالإدارة الغائبة وغياب القدرة على اتخاذ القرار.
ربما تكون الخطوة الأولى هى تحديد ما يحتاجه كل مستشفى من أجهزة ومتخصصين، وإعادة توزيع هذه الإمكانات بما يضمن الاستفادة من الإمكانات المادية والطبية بالشكل الذى يعيد للمستشفيات قيمتها وقدرتها، لأن البطء البيروقراطى فى طلب وتوفير أفلام الأشعة أو إصلاح الأجهزة المعطلة يجعل تقديم الخدمة مسألة صعبة، وإذا كانت كل الأطراف تشكو فلا أحد يمكنه تحديد المسؤول عن الإهمال، فهو مسؤولية عامة تائهة بين أطراف عديدة، ولعل هذا هو الذى يمثل نقطة الانطلاق الحقيقية لإصلاح نظام العلاج بشكل عام.
ربما يكون السبب فى هذه الفوضى هو تعدد أنظمة العلاج، لدينا مستشفيات عامة ومركزية، وأخرى تابعة للمؤسسة العلاجية، ونظام تأمين صحى عتيق ننفق عليه مليارات ولا يفيد فى تقديم خدمة حقيقية، وأنظمة نقابية أو خاصة تتبع شركات تأمين، كل هذه الأنظمة ولا توجد فاعلية، وربما كنا بحاجة إلى دراسة كل هذا ونحن فى اتجاه لتطبيق نظام التأمين الصحى الشامل الذى يفترض فيه الفصل بين الإدارة والتمويل والتعاقدات.. وينهى الأنظمة المتعددة للعلاج.. وينظم إدارة للموارد ويغلق ثغرات الإهدار.. الصحة عندنا ليست فقيرة فى الإمكانات، لكن المشكلة فى الإهمال، والتسرب، والفقر فى المتابعة والرقابة والإدارة.