أحمد إبراهيم الشريف

أنا حنا مينه.. لا تعلنوا موتى

الإثنين، 27 أغسطس 2018 08:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أنا حنا بن سليم حنا مينه، والدتى مريانا ميخائيل زكور، من مواليد اللاذقية العام 1924، أكتب وصيتى وأنا بكامل قواى العقلية، وقد عمّرت طويلاً حتى صرت أخشى ألا أموت، بعد أن شبعت من الدنيا، مع يقينى أنه «لكل أجل كتاب»، لقد كنت سعيدا جدا فى حياتى، فمنذ أبصرت عيناى النور، وأنا منذور للشقاء، وفى قلب الشقاء حاربت الشقاء، وانتصرت عليه، وهذه نعمة الله، ومكافأة السماء، وإنى لمن الشاكرين.
 
عندما ألفظ النفس الأخير، آمل، وأشدد على هذه الكلمة، ألا يُذاع خبر موتى فى أى وسيلةٍ إعلامية، مقروءة أو مسموعة أو مرئية، فقد كنت بسيطا فى حياتى، وأرغب أن أكون بسيطا فى مماتى، وليس لى أهل، لأن أهلى، جميعا، لم يعرفوا من أنا فى حياتى، وهذا أفضل، لذلك ليس من الإنصاف فى شىء، أن يتحسروا علىَّ عندما يعرفوننى، بعد مغادرة هذه الفانية.
 
كل ما فعلته فى حياتى معروفٌ، وهو أداء واجبى تجاه وطنى وشعبى، وقد كرست كل كلماتى لأجل هدف واحد: نصرة الفقراء والبؤساء والمعذبين فى الأرض، وبعد أن ناضلت بجسدى فى سبيل هذا الهدف، وبدأت الكتابة فى الأربعين من عمرى، شرعت قلمى لأجل الهدف ذاته، ولما أزل.
 
لا عتب ولا عتاب، ولست ذاكرهما، هنا، إلا للضرورة، فقد اعتمدت عمرى كله، لا على الحظ، بل على الساعد، فيدى وحدها، وبمفردها، صفّقت، وإنى لأشكر هذه اليد، ففى الشكر تدوم النِعم، أعتذر للجميع، أقرباء، أصدقاء، رفاق، قُرّاء، إذا طلبت منهم أن يدعوا نعشى، محمولاً من بيتى إلى عربة الموت، على أكتاف أربعة أشخاصٍ مأجورين من دائرة دفن الموتى، وبعد إهالة التراب علىَّ، فى أى قبر مُتاح، ينفض الجميع أيديهم، ويعودون إلى بيوتهم، فقد انتهى الحفل، وأغلقت الدائرة، لا حزن، لا بكاء، لا لباس أسود، لا للتعزيات بأى شكلٍ، ومن أى نوع، فى البيت أو خارجه، ثمّ، وهذا هو الأهم، وأشدد: لا حفلة تأبين فالذى سيقال بعد موتى، سمعته فى حياتى، وهذه التآبين، وكما جرت العادات، منكرة، منفّرة، مسيئة إلىِّ، أستغيث بكم جميعا أن تريحوا عظامى منها، كلُّ ما أملك، فى دمشق واللاذقية، يتصرف به من يدّعون أنهم أهلى، ولهم الحرية فى توزيع بعضه، على الفقراء، الأحباء الذين كنت منهم، وكانوا منى، وكنا على نسب هو الأغلى، الأثمن، الأكرم عندى.
 
زوجتى العزيزة مريم دميان سمعان، وصيتى عند من يصلّون لراحة نفسى، لها الحق، لو كانت لديها إمكانية دعى هذا الحق، أن تتصرف بكلّ إرثى، أما بيتى فى اللاذقية، وكل ما فيه، فهو لها ومطوّب باسمها، فلا يباع إلا بعد عودتها إلى العدم الذى خرجت هى، وخرجت أنا، منه، ثم عدنا إليه.
 
هذه وصية الكاتب السورى حنا مينه، الذى رحل، منذ أيام، عن 94 عاما، لكننا لم نستمع إليه، وأفشينا السر.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة