بين العزل أو القتل يواجه الرئيس الإيرانى سيناريوهين قد ينهى أحدهما حياته السياسية، بعدما تعثرت برامجه فى تحسين الوضع الاقتصادى المتردى، وانفتاحه وإيمانه بالتفاوض مع خصوم طهران السياسيين، أدى إلى تهديده بالقتل على يد متشددين، بعد إحرازه اتفاقية مع مجموعة (5+1) فى 2015 عرفت بـ"خطة العمل الشاملة المشتركة"، تلك التى أصبحت على المحك بعد انسحاب الولايات المتحدة مايو 2018، وما أعقب ذلك من عقوبات اقتصادية شديدة على طهران، فبين سندان عقوبات ضغوط فى الخارج ومطرقة المتشددين المهيمنين على السلطة فى الداخل يقضى روحانى عامه الخامس فى الولاية الثانية.
سيناريو القتل من أمير كبير إلى رفسنجانى وروحانى
تزايدت مؤخرا تهديدات الرئيس المحسوب على المعتدلين بالقتل من قبل جماعات متشددة داخل إيران لم يتم الكشف حتى الآن عن ارتباطها بأى من خصوم ومنافسى روحانى السياسيين، حيث تلقى مؤخرا تهديدا علنيا من أبواق دينية، وهدده منشد دينى يدعى منصور أرضى، مقرب من المرشد الأعلى على خامنئى، بالقتل فى مسبح على غرار رئيس مصلحة النظام السابق هاشمى رفسنجانى.
تهدید #رییس_جمهور به مرگ در #استخر؛ اینبار از یک تریبون مذهبی
— گِرا (@GeraaMedia) August 24, 2018
بخشی از سخنان مداح روز عرفه در خیابان سعدی تهران pic.twitter.com/xwah7UcKSN
وخلال خطبة لأرضى فى مراسم ما يسمى بدعاء يوم عرفة والتى أقيمت بشارع سعدى بالعاصمة طهران، قال: "هذا الرجل مات فى مسبح، وذاك أيضا فى النهاية سيموت فى المسبح"، فى إشارة إلى وفاة رفسنجانى الغامضة فى مسبح يناير 2017، وهو تهديد مبطن بملاقات روحانى نفس المصير. تهديدات أعادت الى الاذهان حوادث قتل الشخصيات السياسية أثناء وجدها فى المسبح، والتى يعج بها التاريخ الإيرانى، فقد تم قتل أشهر رئيس وزراء لإيران ميرزا محمد تقي خان فرهانى الملقب بـ أمير كبير المعروف بإدخال إصلاحات فى العديد من المجالات، أثناء وجوده فى "حمام فين" فى مدينة كاشان على يد الشاه القاجارى.
لكن تهديد المنشد يعد الثانى خلال أسبوع، بعدما تعرض روحانى لتهديد مماثل بالقتل بنفس الطريقة، بمدينة قم خلال تجمع لطلاب الحوزة العلمية بمدرسة "فيضية"، الخميس 18 اغسطس الماضى، رفعت خلاله لافتة كتب عليها: "يا من تتخذ من المفاوضات شعارك، فإن مسبح فرح فى انتظارك". ومسبح فرح كان ضمن قصور سعد أباد المملوك لليلا إمامى زوجة أمير عباس هويدا الذى كان رئيساً للوزراء فى عهد الشاه محمد رضا بهلوى قبل قيام الثورة وتمت مصادرته فيما بعد.
شعار داخل قم بالتهديد بقتل 3 روحانى
وبينما سارع الحرس الثورى الإيرانى المعروف بممارسته عمليات تصفية الخصوم السياسيين داخليا وخارجيا، بنفى أى صلة له وبعناصره بتلك التجمعات والتهديدات، بعدما طلبت منه مراجع دينية فى قم تقديم إيضاحات بشأن تواجد عناصره بين المشاركين، وصفت مراجع دينية وآيات الله فى قم بينهم مكارم الشيرازى ونورى همدانى واقعة "فيضية" بالكارثة فى البلاد.
وطالب نواب بالبرلمان بفتح تحقيق فى الوقائع، وقال مهدى شيخ عضو تكتل اميد الإصلاحى: "ينبغى تشكيل لجنة تقصى حقائق"، واعتبر النائب الإيرانى ما قاله المنشد إهانة لرفسنجانى"، لافتا إلى أن هذه الوقائع ستلحق ضررا بالغ بالنظام لا يمكن تداركه.
على جانب آخر، أعادت التهديدات مطالبات بفتح ملف البحث عن حقيقة وفاة رفسنجانى إلى المشهد، وعززت الشكوك نحو مقتله فى المسبح فى إطار الصراع السياسى الذى كان يدور بنيه وبين المرشد الأعلى، فقد اكتنفت وفاته المفاجئة غموضا خاصة لدى أفراد أسرته، خاصة مع تصاعد الخلافات السنوات الأخيرة مع على خامنئى، وشككت نجلته فاطمة في رواية وفاة والدها الذى قيل أنه توفى إثر جلطة قلبية أثناء السباحة وقالت فى فبراير 2018 أن الأدلة التى قدّمتها مجموعة من الأطباء عن أسباب وفاة والدها، ليست دقيقة ومخالفة للحقائق المتوافرة لدينا ولا أحد يعلم سبب الوفاة، لكنها رأت أن تتبع شعارات تهديد روحانى بالقتل قد يزيح الغموض حول موت أبيها.
هاشمي رفسنجاني
وناقش إعلام طهران المقرب من روحانى التهديدات وتحت عنوان "تكرار تهديد رئيس الجمهورية من قبل منشد دينى مشهور فى طهران"، قالت صحيفة إيران المقربة من حكومته على غلافها، إن معارضى روحانى لم يبدوا رد فعل والتزموا الصمت حيال التهديدات. وبعد تكرار التهديد شككت الصحيفة فى كون التهديدات المتتالية فى أسبوع واحد "عفوية"، وقالت الصحيفة بغض النظر عن بيانات إعلان البراءة التى أطلقتها جهات مسئولة، فالسؤال الذى ظل دون جواب، هو: من هم الأشخاص أو المجموعات التى تقف وراء تنظيم هذه التجمعات؟.
وحذرت الصحيفة من تلك الأحداث، معتبرة أنها ستعزز من الاستقطاب السياسى والاجتماعى فى البلاد، وقالت إنها مؤشر على احتمالات كبرى بتكرار مثل هذه الأحداث فى المستقبل.
image
سيناريو العزل.. بنى الصدر
بيد أن النقاش فى الداخل الإيرانى يدور حول تكرار سيناريو عزل بنى الصدر لروحانى، لاسيما وأنه سيمثل أمام البرلمان للاستجواب يوم الثلاثاء المقبل لأول مرة منذ صعوده فى 2013، بسبب أزمة اقتصادية طاحنة وتراجع سعر صرف العملة الوطنية أمام العملات الأجنبية واتفاع الأسعار، كانت إحدى اللافتات التى رفعت فى تجمع مدينة قم، مكتوب عليها شعار "بنو الصدر لا يمتلكون دائما فرصة للهروب"، الأمر الذى رأه مراقبون تهديد مبطن بتكرار سيناريو عزل الرئيس الذى حدث مع سلفه أبو الحسن بنى الصدر وهو أول رئيس لإيران، وتم عزله بعد 9 أشهر من تنصيبه عام 1981 وفر خارج البلاد، بعد أن طلب إجراء استفتاء فدب خلاف بينه وبين نواب البرلمان ورئيس وزراءه واعتبر آنذاك أن اللجوء إلى الاقتراع حل للخروج من المأزق.
وأصبحت كلمة بنى الصدر فى الأدبيات السياسية الإيرانية تعنى "العزل السياسى"، تهديد لوح به خامنئى أيضا أمام روحانى فى 23 يونيو 2017، وهدده بمصير حال حدوث انقسام حين قسم الصدر الشعب إلى مؤيِّد ومعارض، ورأه المرشد الأعلى شيء خطير"، هو نفس التهديد الذى لوحت به جماعة متشددة فى يناير 2017 خلال مراسم يوم القدس حيث أطلقوا هتافات مناهضة لروحانى، واتهموه بالخيانة وشبهوه بـ بنى الصدر.
1
وتنص المادة المادة 89 من الدستور الإيرانى حال في حالة تقديم ثلث عدد النواب على الأقل استجواباً لرئيس الجمهورية في مجلس الشورى الإسلامى بشأن مسئولياته التنفيذية وإدارة الأمور التنفيذية فى البلاد، على رئيس الجمهورية أن يحضر فى المجلس، خلال شهر من طلب الاستجواب، ويعطى التوضيحات الكافية بشأن المسائل المطروحة. وعند انتهاء مناقشات النواب المعارضين والمؤيدين وجواب رئيس الجمهورية، وإذا صوتت أكثرية ثلثى النواب على عدم كفاءة رئيس الجمهورية، يرفع الأمر إلى مقام القيادة لإطلاعها.
ورغم قرع المتشددون طبول العزل السياسى لروحانى، ومطالبة الرئيس السابق المتشدد أحمدى نجاد بالتنحى، محمله مسئولية تدهور الوضع الاقتصادى، لا يزال يحظى الرئيس الإيرانى بدعم خامنئى الذى يلعب دورا حساسا لإحداث توازنا بين التيارات السياسية الإيرانية، وقال المرشد الأعلى ألأسابيع الماضية، إنه يتعين أن يبقى روحانى فى منصبه لمنع المزيد من الفوضى، فى الوقت نفسه ألقى باللوم أيضا على سوء إدارة الحكومة فى الملف الاقتصادى.
ومع تصاعد النقاش فى الداخل حول تكرار سيناريو بنى الصدر، يرى التيار الإصلاحى أن عزل روحانى من شأنه إدخال البلاد فى أزمة سياسية ونفق مظلم، ويشاركهم فى الرأى بعض كوادر التيار الاصولى المعتدلين، ورأى السياسى الأصولى محمد رضا باهنر فى مقابلة نشرتها صحيفة "أفتاب يزد" يوم السبت 25 أغسطس، أن تغيير الرئيس الآن وسقوط الحكومة وإجراء انتخابات مبكرة خطوة سيثير الأزمات فى البلاد، وأكد على أن سيناريو العزل الذى حدث لبنى الصدر لن يتكرر لروحانى لأن فى رأيه أن ذلك لن يصب فى مصلحة البلاد ولا توجد إمكانية لاحتمالية تكرار الواقعة، فى الوقت نفسه رأى باهنر أن الرئيس فى حاجة لتغييرات حقيقة فى حكومته من أجل حل المشكلات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة