واحدا تلو الآخر، يطيح البرلمان الإيرانى بالحلقة الضيقة التى تحيط بالرئيس الإيرانى حسن روحانى من رجاله فى الحكومة التى شكلها فى أغسطس العام الماضى عقب الفوز بولاية ثانية مايو 2017، وعزل البرلمان الإيرنى، صباح اليوم الأحد، وزير الاقتصاد والمالية، جراء الأوضاع الملتهبة فى الداخل والاحتجاجات على سياسات الحكومة الاقتصادية، وتهاوى سعر العملة الوطنية (التومان) أمام العملات الأجنبية، فى وقت يواجه روحانى وفريقه مأزق حقيقى، فمن المقرر أن يخضع الرئيس الإيرانى هو الآخر لاستجواب أمام البرلمان يوم الثلاثاء المقبل وسط نقاش يدور فى الداخل عن مساع التيار المتشدد لحجب الثقة عنه.
وبعد جلسة استجواب عقدت صباح اليوم، للوزير الإيرانى مسعود كرباسيان حول أدائه تجاه الظروف الاقتصادية فى البلاد، تم عزله بعد أن صوت 137 نائبا لصالح قرار حجب الثقة، فیما عارضه 121 نائبا وامتنع نائبان للبرلمان البالغ عدد نوابه 290 نائبا.
#کرباسیان از #وزارت_اقتصاد خداحافظی کرد
— گِرا (@GeraaMedia) August 26, 2018
با رای موافق نمایندگان مجلس به #استیضاح_کرباسیان، #مسعود_کرباسیان از وزارت اقتصاد برکنار شد
▫️رای موافق #استیضاح: ۱۳۷
▫️مخالف: ۱۲۱
▫️ممتنع: ۲ pic.twitter.com/xBkwJmVFQ4
عزل رجال روحانى
ويعد وزير الاقتصاد والمالية كرباسيان الوزير الثانى فى حكومة روحانى والذى يقدم البرلمان على عزله فى شهر واحد، ففى الـ 8 من أغسطس الجارى عزل البرلمان وزير التعاون والعمل والشئون الاجتماعية علي ربيعي بعد استجوابه، صادق النواب على حجب الثقة عنه ، بـ129 صوتا مؤيدا لعزله و111 صوتا معارضا و3 ممتنعين من مجموع 243 صوتا من الحاضرين، ويعتبر ربيعى من أبرز حلفاء روحانى، كما كان مستشارا للرئيس محمد خاتمي بين عامى 1997 و2005.
ويأتى عزل وزراء روحانى من فريقه الاقتصادى بعد أشهر من الغضب المتصاعد بسبب إخفاق الحكومة فى معالجة الأزمة الاقتصادية التى تفاقمت مع إعادة فرض العقوبات الأمريكية، وهروب الشركات الأوروبية من إيران، ففى ديسمبر بدأت احتجاجات على تردى الوضع الاقتصادى فى البلاد وامتدت المظاهرات إلى أكثر من 80 مدينة وبلدة وقتل فيها 25 شخصا، وتشهد البلاد منذ ذلك الوقت احتجاجات متفرقة لسائقى الشاحنات والمزارعين والتجار وتخللتها من حين لآخر مواجهات عنيفة مع قوات الأمن.
وزير الاقتصاد مسعود کرباسیان
ويعانى الاقتصاد الإيرانى من ارتفاع معدل البطالة وانخفاض قيمة العملة إلى النصف، وتواجه طهران مشاكل اقتصادية منها تباطؤ الاستثمارات، وارتفاع معدل التضخم وارتفاع جنونى فى الأسعار، ولم يتمكن الفريق الاقتصادى الحالى من تقديم حلول لها.
وإثر ذلك تجددت الاحتجاجات فى الأشهر الماضية والتى أطلقت عليها "احتجاجات الفقراء"، وبينما رفع المتظاهرون شعارات تطالب طهران بالنأى جانب والخروج من سوريا، وتقليص الدعم المقدم من خزانة الدولة للفصائل والجماعات السياسية الموالية لطهران فى المنطقة، نصح العديد من السياسيين روحانى بالقيام بتغيرات فى فريقه الاقتصادى للحفاظ على ما يمكن وسط نزيف اقتصادى وتهاوى قيمة العملة غير أنه فى أواخر يوليو الماضى، عين محافظا جديدا للبنك المركزى.
روحانى قد يواجه نفس المصير رغم دعم المرشد
وبينما يواجه الرئيس الإيرانى منتقدين من التيار المحافظين يقولون إنه على الحكومة تتحمل المسئولية عن المشاكل الاقتصادية، سيمثل روحانى هو الآخر لأول مرة منذ صعوده فى عام 2013 أمام البرلمان، يوم الثلاثاء المقبل لاستجوابه وعليه أن يقدم إجابات حول إجراءاته الجديدة لإنقاذ الوضع الاقتصادى لنواب البرلمان، واستنادا للمادة 213 لقوانين البرلمان، أمهل الرئيس مدة أقصاها شهر واحد للحضور إلى قاعة البرلمان للإجابة على تساؤلات النواب، الأمر الذى نظر إليه فى الداخل إنها خطوات تمهيدية لعزله وتكرارا لسيناريو سلفه الرئيس الإيرانى الأول أبو الحسن بنى الصدر الذى تم عزله فى 1981، لكن لا يزال المعسكر الإصلاحى يرفض تكرار هذا السيناريو، كما أنه يحظى بدعم المرشد الأعلى الذى رفض الأسبوع الماضى دعوات أطلقها الرئيس السابق المتشدد أحمدى نجاد له بالتنحى عن منصبه، ويرى خامنئى أن بقاء روحانى فى منصبه يمنع البلاد للدخول فى الفوضى، لكنه فى الوقت نفسه ينتقد سوء إدارته الاقتصادية.
وتنص المادة 89 من الدستور الإيرانى حال فى حالة تقديم ثلث عدد النواب على الأقل استجوابا لرئيس الجمهورية فى مجلس الشورى الإسلامى بشأن مسئولياته التنفيذية وإدارة الأمور التنفيذية فى البلاد، على رئيس الجمهورية أن يحضر فى المجلس، خلال شهر من طلب الاستجواب، ويعطى التوضيحات الكافية بشأن المسائل المطروحة. وعند انتهاء مناقشات النواب المعارضين والمؤيدين وجواب رئيس الجمهورية، وإذا صوتت أكثرية ثلثى النواب على عدم كفاءة رئيس الجمهورية، يرفع الأمر إلى مقام القيادة (المرشد) لإطلاعها.
ترامب
عقوبات أمريكية
ويرى الإيرانيون أن الأوضاع فى ظل العقوبات التى أعادت الولايات المتحدة فرضها فى 7 أغسطس الماضى ستكون أسوأ، وشملت المرحلة الأولى منها، حظر تبادل الدولار مع الحكومة الإيرانية، والتعاملات التجارية المتعلقة بالمعادن النفيسة، ولاسيما الذهب، وفرض عقوبات على المؤسسات والحكومات، التى تتعامل بالريال الإيرانى أو سندات حكومية إيرانية، وحظر توريد أو شراء قائمة من المعادن أبرزها الألومنيوم والحديد والصلب، وفرض قيود على قطاعى صناعة السيارات والسجاد فى إيران، وحظر استيراد أو تصدير التكنولوجيا المرتبطة بالبرامج التقنية الصناعية، ذات الاستخدام المزدوج المدنى والعسكرى.
وشملت الحزمة الثانية والتى سيتم تطبيقها نوفمبر المقبل، فرض عقوبات ضد شركات الموانئ الإيرانية، وعقوبات شاملة على قطاع الطاقة الإيرانى، وخاصة قطاع النفط، وعقوبات على البنك المركزى الإيرانى وتعاملاته المالية.
تهديدات بقتل روحانى
وبخلاف الأزمة الاقتصادية يواجه روحانى تهديدات بالقتل متزايدة الأسبوع الماضى من قبل جماعات متشددة، ففى مدينة قم معقل الشعية، رفعت لافتة فى تجمع للمتشددين لمدرسة "فيضية" فى الـ 18 من أغسطس الجارى، كتب عليها "يا من اتخذت من المفاوضات شعارك فأن مسبح فرح فى انتظارك"، على خلفية ما يمكن تسميته بعتاب أطلقه الرئيس الإيرانى للولايات المتحدة بسبب تدمير جسر التفاوض بين البلدين، نظر إليها كتهديدا بملاقات نفس مصير الرئيس الأسبق المعتدل هاشمى رفسنجانى الذى توفى بشكل غامض وهو فى مسبحه فى يناير 2017.
تهديد أثار الكثير من الجدل داخل إيران حتى أن الحرس الثورى الذى ينظر إليه بأنه أداة النظام لتصفية الخصوم داخليا وخارجيا، سارع بنفى أى صلة له وبعناصره بالمجموعة التى رفعته وبتنظيم الوقفة من أساسها، واعتبرها رجال الدين كارثة تفشى أسرار النظام، وفى طهران أعاد منشد دينى مقرب من المرشد الأعلى تهديداته لروحانى بالقتل قائلا فى خطبته يوم عرفة "هذا الرجل مات فى مسبح، وذاك أيضا فى النهاية سيموت فى المسبح".