"الحرب جريمة عاطفية، ليس لأنها تقتيل وفظاظة ومعاناة وانفجار للعنف، وإنما على وجه الخصوص لأنها تنسف كل إنسانية فى الإنسان عب نسف كل مجهود لتحقيق العدل"
فى رأيى إن كتاب الفلاسفة والحرب للدكتور فتحى التريكى، والذى ترجمه زهير المنينى، والصادر عن دارى ابن النديم للنشر والتوزيع ودار الروافد الثقافية، يطرح موضوعا مهما عن وجهة نظر الفلاسفة فى الإبادات الإنسانية المتوقعة من تحت اسم الحروب.
وفى مقدمة الترجمة العربية يقول فتحى التريكى إنه يعالج قضیة الحرب من وجھة نظر مفھومیة قد تساعد على تفكیك، مقومات ھذه الظاھرة التى أصبحت بتطور التكنولوجیا آلة فتاكة قد تصل إلى الطرف الأقصى حسب تعبیر كلاوزفیتر ونعنى الإبادة الجماعیة.
ويتابع فتحى التريكى "قد كان ھذا الكتاب فى الأصل أطروحة دكتوراه ناقشتھا سنة 1974 بجامعة السوروبون بباريس وصدرت فى طبعتین بـ الفرنسية، وبما أن موضوعه ما زال شاغلا مھما من شواغل العصر، رأى زمیلى الأستاذ زھیر المدنینى مشكورا أنه من الضرورى نقله إلى اللسان العربى لما يتضمنه من معالجات مفھومیة مفیدة لدراسة تطور ھذه الظاھرة فى عصرنا الحالى، ولأن المكتبة العربیة تفتقد لمثل ھذه الكتب النظرية التى تلقى الأضواء على كیفیة فھم الحرب من قبل المفكرين الفلاسفة ومن قبل الاستراتیجیین الكبار الذين قدموا نظريات فى الحرب ما زالت حیوية فى قیادتھا.
ويقول فتحى التريكى، نعرف أن التجربة الفعلیة والعملیة للإنسان المعاصر أفرزت علاقات بشرية من نوع خاص قد لا ننتبه إلى مرتكزاتھا الأساسیة، فقد بینت الأبحاث السیاسیة أنھا منذ بداياتھا، تتسم بالعنف المتواصل الذى يحدث توازنا اجتماعیا نسبیا يقوم على مبدأ الغلبة، حیث أن الغالب سیتفانى فى إخضاع الطبیعة وما علیھا لتكون فى خدمته وفى خدمة مصالحه، وفى المقابل سیعمل المغلوب جاھدا على الحفاظ على حیاته بكل الوسائل وسیفضل العبودية والقھر أحیانا باعتبار أن مصلحته الأولى تكون أساسا فى البقاء، كما بینت الأبحاث أيضا أن وضعیة الغلبة فى العلاقات البشرية لا تؤدى حتما إلى توازن متواصل للمجتمع. بل قد تفرز حالة عنف متواصلة فتصبح سبب وجود النظام نفسه. فمفھوم الحرب يرتكز أساسا على ھذه الجدلیة بین القاھر والمقھور حسب تعبیر الفارابى أو جدلیة السید والعبد حسب تعبیر ھیجل، ولعل ظاھرة العولمة تؤكد ذلك فقد دخل الآن العنف بجمیع أوجھه میدان التعامل الیومى والتواصل بین البشر حیث أن تدبیر شؤون المجتمعات داخلیا وخارجیا قد ارتكز أكثر على النواحى الأمنیة العنیفة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة